بقلمالشيخ علي الشريف
التمكين نوعان : تمكين هداية وتمكين غواية .
أما تمكين الغواية فهو السائد والغالب حيث يمكن الله للكافرين و المجرمين ، من باب الإستدراج ، ليزدادوا إثما ، ثم يعذبهم فى جهنم عذابا عظيما ، كما قال تعالى ( سنستدرجهم من حيث لا يعلمون وأملى لهم إن كيدى متين ) وكقوله تعالى ( ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار ….) ، فقد مكن الله لفرعون وهامان وقارون وللكفرة قديما وحديثا ، فهو من باب تمتع الكافرين فى الدنيا ثم مأواهم جهنم وبئس المصير .
أما حديثنا اليوم عن تمكين الهداية ، وهو تمكين للدين الحق ، فلا صوت يعلوا فوق قول الله وامره ، فإذا قضى الله أمرا فالكل سمعا وطاعة ، فهذا التمكين كيف يكون وماشروطه ، فقد وضع الله لنا أنموزجا حيا أمام أعيننا ، وهو تمكين الله لنبيه صلى الله عليه وسلم ، فقد ابتعثه الله إلى قوم أهل جاهلية ، يقتل بعضهم بعضا ويأسر ويستعبد بعضهم بعضا ، ويعشقون الخمر ، ويرتكبون جريمة الزنا ، ويعبدون الأوثان ، وقلوبهم ممتلئة بالأدران كالحقد والحسد والكبر والتفاخر والعصبية الجاهلية وغيرها من الأمراض ، هذا المستوى من الضلال المبين يراد تحويله إلى أنموزج من الإيمان العظيم والأخلاق الراقية حتى يقتدى به الناس إلى قيام الساعة ، فما هو الطريق الذى سلكه رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصل إلى هدفه ، وما هى سمات وعلامات هذا التحول .
فبنظرة سريعة نستطيع أن نحدد أهم هذه السمات .
(1) — هذا التحول أخذ فترة زمانية تربو على العشرين سنة .
(2) — وحدة المصدر الذى يستقون منه إيمانهم وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلا مجال لتعدد الإجتهادات واختلاف الأفكار والتصورات ، بل معهم الرسول صلى الله عليه وسلم الذى يرسم لهم كل صغيرة وكبيرة فى طريق التحول ، إذن لا مجال للإختلاف والتنازع بل هو جيل متناسق متآلف متحد .
(3) — هذا الطريق لم يكن مفروشا بالورود ، بل كان ممتلئا بالإبتلاءات والإمتحانات
(4) — هذا الجيل كان صادقا فى إيمانه ، مخلصا لدينه ، قوى العزيمة فى تطهير النفس من أدران الجاهلية ومخالفة الهوى وشهوات النفس والزهد فى الدنيا ، فحاربوا نفوسهم أولا حربا لا هوادة فيها ، وأخضعوها لأمر الله قهرا ، وقتلوا فيها الشهوات والهوى ، فلما انتصروا على أنفسهم أولا أستطاعوا أن ينتصروا على عدوهم بعد ذلك .
(5) — ومن أهم سمات هذا الجيل القرآنى أنهم كانوا يتعلمون ليعملوا ، فما من شئ يتعلمونه إلا وسارعوا إلى تنفيذه وتعويد أجسادهم عليه ، فإذا قرأوا فضل قيام الليل أسهروا أبدانهم ونصبوا أقدامهم لله قياما وأذا سمعوا فضل الصوم سارعوا إليه وأعطشوا نهارهم وأجاعوا بطونهم رضا لله رب العالمين ، وهكذا مع كل أمر هم مسارعون وممتثلون .
فلما رأى الله صدقهم فى التحول من ضلالات الجاهلية إلى عظمة الإسلام وفقهم إلى ذلك كما قال الله تعالى ( والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا ) وفتح الله بهم البلاد وهدى بهم العباد وجعلهم قادة العالم .
فإذا أردنا أن يمكن الله لنا ، فلا بد أن نقتدى بهم ، وأن نسير على دربهم ، أما إن مكثنا نتكلم كثيرا وينقد بعضنا بعضا ونختلف فى الصغيرة قبل الكبيرة ويكثر بيننا الجدل ونقصر فى العمل فلا تمكين ولا عز ولا كرامة .