القائمة إغلاق

الشيخ على عبد الرازق ..ووطنية الاستنارة

 

قال سعد زغلول:”كيف يكتب عالم ديني بهذا الأسلوب في مثل هذا الموضوع .. لقد قرأت كثيرا للمستشرقين ولسواهم فما وجدت ممن طعن منهم في الإسلام حدة كهذه الحدة في التعبير على نحو ما كتب الشيخ على عبد الرازق .. لقد عرفت أنه جاهل بقواعد دينه بل بالبسيط من نظرياته وإلا فكيف يدعي أن الإسلام ليس مدنيا ولا هو بنظام يصلح للحكم .. فأية ناحية مدنية من نواحي الحياة لم ينص عليها الإسلام”

* ثم يعلق بعد ذلك على قرار هيئة كبار العلماء فصل على عبد الرازق “وما قرار هيئة كبار العلماء بإخراج الشيخ على من زمرتهم إلا قرار صحيح لا عيب فيه .. لأنه لهم حقا صريحا بمقتضي القانون أو بمقتضي العقل والمنطق أن يخرجوا من خرج على أنظمتهم من حظيرتهم فذلك أمر لا علاقة له مطلقا بحرية الرأي التي تعنيها السياسة ـ يقصد حرية السياسة ـ ومهما كان الباعث فإن العلماء فعلوا ما هو واجب وحق ومالا يجوز أن توجه إليهم أدني ملامة فيه”

* كانت هذه بعض كلمات الزعيم سعد زغلول التي نقلها د.عماره عن سكرتيره في تعليقه على مشكلة على عبد الرازق.

فسعد باشا وإن كان أول من أعطي المشروعية للعلمانيين الليبراليين في مصر .. وإن كان أكثر المدافعين عن حق على عبد الرازق في نشر كتابه؛ إلا أنه وضع الحدود واضحة في هذه المشكلة. نعم له أن ينشر كتابه ولكن هذا لا يعني أن ما فيه صواب أو أنه يدعم ما في الكتاب إذ أن الكاتب يكتب بحقد لم يسبقه إليه حتى المستشرقين الذين طعنوا في الإسلام من غير المسلين وهو يكتب تخاريف تدل على أنه جاهل بقواعد دينه وكأنه لم يدرس منه شيئاً .. ثم وهو الأهم من حق هيئة كبار العلماء أن تطرد من تراه يخالف قواعد الدين وأصوله المجمع عليها من زمرتها وإن فعلهم هذا واجب وحق لا يلامون عليه.

* هذا أبلغ وأبسط رد على أولئك الذين يريدون أن يجعلوا من هذا الهدم لأصول الدين ما يسمونه “صحيح الدين” ويصرون على أن يجعلوا حرية الرأي هي تبني قول الشيخ المطرود وإلا فنحن رجعيون متخلفون.

لقد انبري كل أهل العلم والفكر للرد عليه في ذلك الوقت مثل الشيخ محمد الخضر حسين,ومحمد بخيت المطيعى, ومحمد الطاهر عاشور, وعبد الوهاب خلاف, ومحمد أبو زهرة, ومحمد الغزالي وغيرهم، هذا غير رد هيئة كبار العلماء وناقشوا جميعا دعواه بما يغني عن أي كلام حول موضوعه .

ونشكر لمجلة الأزهر في عهد المغفور له ـ إن شاء الله ـ الشيخ جاد الحق أن انبرت للرد على كتاب التنويريين بنشر أكثر من رد من تلك الردود.

* ولكن بقي شيء مهم في هذه المسألة يحتاج لبعض التعليق وهو هل كان الشيخ بالفعل يكتب هذا الكتاب بعد سقوط الخلافة ليتصدي لرغبة انجليزية في تعيين الملك فؤاد خليفة؟ .. وهل كان الشيخ بهذه الجرأة والوطنية حقا؟.

ثم هل تراجع الشيخ عن مقولته قبل موته أم لا؟.

أما عن السؤال الأول:

* فالكتاب وإن كان قد طبع سنة 1925 بعد سقوط الخلافة إلا أنه شرع في كتابته قبل ذلك بكثير ففي بداية الكتاب يقول “وليت القضاء بمحاكم مصر الشرعية منذ ثلاث وثلاثين وثلاثمائة وألف هجرية (1915) فحفزني ذلك إلي البحث في تاريخ القضاء الشرعي .. والقضاء بجميع أنواعه فرع من فروع الحكومة وتاريخه يتصل بتاريخها اتصالا كبيرا وكذلك القضاء الشرعي ركن من أركان الحكومة الإسلامية وشعبه من شعبها.

* فلابد حينئذ لمن يدرس تاريخ ذلك القضاء أن يبدأ بدراسة ركنه الأكبر أعني الحكومة في الإسلام” ويقول في ذات الصفحة “شرعت في بحث ذلك كله منذ بضع سنين ولا زال بعد عند مراحل البحث الأولي ولم أظفر بعد الجهد إلا بهذه الورقات أقدمها على استحياء”

ويقول ص25 “وما كان لأمير المؤمنين محمد الخامس سلطان تركيا أن يسكن اليوم يلدز ـ قصر الخلافة ـ لولا تلك الجيوش التي تحرس قصره”

إذن فقد بدأ الكتابة سنة 1915 وكتب أكثره قبل سقوط الخلافة وقبل تولي فؤاد بل قبل أن تخطر فكرة توليه الحكم في أذهان من ولوه ولكن يبدوا أن إخواننا المتثاقفين التنويريين لم يقرأوا حتى هذا الكتاب الهزيل الذي يطبلون له ويهللون.

* إذ بالطبع لم تكن فكرة وأد الخلافة أو التصدي لرغبة فؤاد في توليها ـ كما يزعمون ـ هي دافعه لكتابة هذا الكتاب ,ولم تكن هناك كما يقولون وطنية ورغبة منه في التصدي لرغبة الانجليز في تولي فؤاد بل العكس هو الصحيح, فقد كانت انجلترا في حرب مع دولة الخلافة وكان المصريون بل والمسلمون جميعا في المستعمرات الانجليزية يتعاطفون مع الخلافة بل وضبط أكثر من تنظيم مسلح يسعي لمساعدة جيوش الخلافة وكان الانجليز يسعون في ذلك الوقت لإسقاط فكرة الانتماء للخلافة من أذهان الناس .

* ولعل كتاب على عبد الرازق الذي كتبه في ذلك الوقت ـ وإن كان لم ينشر ساعتها لأسباب لم تسعفنا الوثائق في معرفة سبب تأخير النشر ـ صورة من الدعم لهذه الفكرة ويؤيد ذلك ما عرف من علاقة بين الانجليز والشيخ على جعلت رجلا مثل محمد حسين هيكل وهو رئيس حزب الأحرار الدستوريين الذي ينتمي إليه الشيخ وعائلته أن يقرر .

* “عالم مسلم مصري يقول بوجوب ارتباط مصر وانجلترا برباط الصداقة ويذهب في ذلك مذهب المتطرفين”

بل إن الشيخ رشيد رضا ألمح في كتابه عن الخلافة الذي نشر قبل كتاب الشيخ على ببضع سنين إلي أن بعض العلماء كتبوا للانجليز كلاما يطعن في فكرة الخلافة .. وإن لم يصرح باسمه ولعله قصد الشيخ وكتابه .. لأنه لم ينشر كتاب يحمل هذا المعني لأي شيخ في ذلك الوقت (قال ذلك في معرض حديثه عن كتاب مماثل صدر بالهند)

فالإفتاء ـ في ظل الاحتلال الأجنبي ـ بأن الإسلام والمسلمين لا دخل لهما بالحكم والحكومة فتوى تخرج معاني الوطنية والكفاح والسعي في طرد الانجليز من دائرة الإسلام وتدعو للاستسلام لأي حاكم وإن كان أجنبيا كافرا.

كيف ولم يؤثر عن الشيخ كلمة واحدة قالها أو كتبها تعرض بالانجليز أو ضد وجودهم بل إن الملك فاروق بن الملك فؤاد قد استخرجه من زوايا النسيان بعد سنين طويلة ليعيد اعتباره ويعينه وزيرا في ظل حكم الانجليز.

ويكفينا أن يكون سلامة موسي وتلميذه لويس عوض هما أكثر من يدافعون عنه ويتبنون مقولاته, وتكفينا أن أكثر الصحف دفاعا عن كتاب الشيخ بعد صحف حزبه هي المقتطف والهلال وهما من هما في علاقتهما بالانجليز ..هذا فقط .

بل إن جريدة التايمز تحدثت عنه في عدد 19116/1925 باعتباره مصلحا كبيرا مثل قاسم أمين ومحمد عبده واستنكرت عدم شموله بالحماية الانجليزية كما شملوا من قبل صاحبيه, وجريدة التايمز لمن لا يعرفها جريدة انجليزية كانت في ذلك الوقت هي أكثر الصحف تعبيرا عن حكومة انجلترا.

* إذن فالحديث عن الوطنية والانجليز والملك فؤاد كلام فارغ ولولا ضيق المساحة لنشرنا نماذج كثيرة من مواقف ضربه وعائلته التي وصل الضيق بها أن قام الوطنيون بقتل أحد أبنائها ـ حسن عبد الرازق ـ أثناء النزاع الشهير بين سعد وعدلي لمواقفه المناوئة لثورة الشعب.

* ولا أدري لماذا يختار التنويريون بصفة دائما أولئك المتهمين في وطنيتهم ليقدموهم كنماذج يتمثللونها؟.

أما عن تراجع الشيخ فالحقيقة أنه لم ينشر عنه صراحة ذلك وإنما هناك بعض الشواهد.

فالكتاب لم يتم طبعه إلا هذه الطبعة بموافقة الشيخ ولما قام بعضهم بإعادة طبعه قاضاهم اعتراضا على فعلهم

وقد نشر في عدد يوليولسنة1951 من مجلة “رسالة الإسلام” مقالة للشيخ على عبد الرازق عن “الاجتهاد في نظر الإسلام” قال فيها “زعم الطاعنون أنني في هذا البحث قد جعلت الشريعة الإسلامية شريعة روحانية محضة ورتبوا على ذلك ما طوعت لهم أنفسهم أن يفعلوا,أما أنا فلقد رددت عليهم أنني لم أقل ذلك مطلقا لا في هذا الكتاب ولا غيره ولا قلت شيئا يشبه ذلك الرأي أو يدانيه” تصور.

* كذا ألف الشيخ كتابا عن موضوع الاجماع في مئة صفحة نقل عنه الدكتور لويس في كتابه “الإجماع ثابت بآيات من القرآن وأحاديث الرسول ـ صلي الله عليه وسلم ـ وأنه حجة قطعية وأن إجماع الصحابة هو بمنزلة الآية القرآنية والحديث المتواتر وأنه مقدم على الأدلة الأخرى .. وأن الخلافة ثبتت بالإجماع”

* هل نقول أن الشيخ لم يتراجع عن موقفه ما دام لم يذكر ذلك صراحة ويتبرأ من كتابه السابق ويكتب ما يرد به عليه ؟

* أم نقول أن هذه الشواهد السابقة تدل على تراجع أبت كبرياؤه أن يظهر التراجع

* الله أعلم بالسرائر وقد أفضي الشيخ إلي ما قدم

التعليقات

موضوعات ذات صلة