كتب.. د. أحمد زكريا
إن أخوف ما يخاف على أمة ويعرضها لكل خطر ويجعلها فريسة للمنافقين ولعبة للعابثين هو فقدان الوعي في هذه الأمة .. وافتتانها بكل دعوة.. واندفاعها إلى كل موجة.. وخضوعها لكل متسلط .. وسكوتها على كل فظيعة.. وتحملها لكل ضيم .
وأن لا تعقل الأمور ولا تضعها في مواضعها.. ولا تميز بين الصديق والعدو.. وبين الناصح والغاش.. وأن تلدغ من جحر مرة بعد مرة.. ولا تنصحها الحوادث ، ولا تروعها التجارب .. ولا تنتفع بالكوارث.. ولا تزال تولي قيادها من جربت عليه الغش والخديعة والخيانة والأثرة والأنانية.. ولا تزال تضع ثقتها فيه وتمكنه من نفسها وأموالها وأعراضها ومفاتيح ملكها .. وتنسى سريعاً ما لاقت على يده الخسائر والنكبات فيجترئ بذلك السياسيون المحترفون والقادة الخائنون.. ويأمنون سخط الأمة ومحاسبتها ويتمادون في غيهم .. ويسترسلون في خياناتهم وعبثهم ثقة ببلاهة الأمة وسذاجة الشعب وفقدان الوعي” .
فقد لخص أبو الحسن الندوي فيما سبق أزمات مصر الآن التي تحاول الإجهاز على مستقبلها.
وليست المشكلة فقط في توالي الأزمات الاقتصادية والأمنية والسياسية.. ولكن المشكلة المزمنة في غياب الوعي الذي يجتهد الإعلاميون والنفعيون في ترسيخه في عقول الشعب المصري.. ليعيش أسيراً لمشكلاته وأزماته وينسى أصل المشكلة التي أدت إلى استفحال المرض.
وهاهم يكشفون كل يوم عن وجههم الأسود الكالح فيظهرون الشماتة في مصاب الوطن.. ويتخلون عن مسؤوليتهم تجاه مصر.. فيرفضون حواراً لمناقشة أزمة اختطاف جنودنا.. ويكتفون بالشماتة واللوم.. وما كان يجرؤ أحدهم على النطق بكلمة أيام الطاغوت الراحل.
وللأسف صدقهم البعض ممن غاب وعيهم حتى رد الله كيدهم وخيب سعيهم.. وعاد جنودنا البواسل سالمين غانمين دون إراقة نقطة دم واحدة.
وفي نفس المشهد المؤسف يستعين قضاتهم الفاسدون بالغرب.. ليس تحقيقا ً لعدل أو رفع لظلم.. ولكن استقواء وحرصاً على إشعال الفتن في ربوع البلاد.
إن الشعوب الإسلامية والبلاد العربية – مع الأسف – ضعيفة الوعي إذا تحرجنا أن نقول:
فاقدة الوعي, فهي لا تعرف صديقها من عدوها .. ولا تزال تعاملها معاملة سواء .. أو تعامل العدو أحسن مما تعامل الصديق الناصح.. وقد يكون الصديق في تعب وجهاد معها طول حياته بخلاف العدو.
ولا تزال تلدغ من جحر واحد ألف مرة ..ولا تعتبر بالحوادث والتجارب .. وهي ضعيفة الذاكرة سريعة النسيان .. تنسى ماضي الزعماء والقادة .. وتنسى الحوادث القريبة والبعيدة.. وهي ضعيفة في الوعي الاجتماعي.. وأضعف في الوعي السياسي .
وذلك ما جر عليها ويلاً عظيما وشقاءً كبيراً وسلط عليها القيادة الزائفة وفضحها في كل معركة .
لقد تصدر المشهد الآن اللصوص والقتلة الذين ثار الشعب عليهم.. فهل نسي الناس من أعداؤهم الحقيقيون؟
ولبس المنافقون والمنافقات أثواب البطولة الزائفة والمعارضة المغرضة.. بعد أن عاشوا زمناً يسبحون بحمد مبارك ويقبلون الأقدام قبل الأيدي.
فماذا تغير يا شعب مصر؟
والسؤال المهم:
أين دورنا نحن في إيقاظ وعي الجماهير ليتحلوا بالصبر واليقين.. فلا تؤثر فيهم الأزمات المفتعلة كالكهرباء والماء؟
وكيف ننجح في نقلهم إلى إتباع القدوة الأولى رسول الله صلى الله عليه وسلم.. وكيف صبر على شظف لعيش.. وربط الحجرين على بطنه من أجل غاية عظمى وهدف أسمى.
فلابد من بذل الجهد وتوافر النية الصادقة وتوحيد الجهود لترسيخ تلك المعاني الإيمانية في القلوب.. وتفويت الفرصة على من يحاولون إسقاط مصر .. وردتها مرة أخرى إلى العبودية والدكتاتورية.