بقلم د/ أحمد زكريا عبد اللطيف
الخنفساء كائن بغيض وكريه إلى النفوس السوية، وهي رمز لكل نفس لا ترى إلا القبيح، فهي تنفر من ريح المسك والورد، وإذا شمت الرائحة الطيبة ماتت لوقتها.
وفي لسان العرب: الخنفساء، بفتح الفاء، ممدود: دويبة سوداء أصغر من الجعل منتنة الريح، والأنثى خنفسة وخنفساء وخنفساءة، وضم الفاء في كل ذلك لغة.
بل هي في المنام إنسان بغيض قذر، والخنفس الذكر يدل على خادم الأشرار والأنثى دالة على موت.
والعجيب أن تقع في إنسان يحمل أخلاق الخنافس فلا يميل طبعه إلا إلى النقائص والمعايب، وموته وهلكته في الطهارة والعفة، تسعده النجاسات والفواحش، وتمرضه مكارم الأخلاق والفضائل، لا يرى دائمًا إلا النقص، ولا يلفت نظره الكمال والجمال، بل همه التفتيش في خفايا الضمائر ليبحث عن مطعن، وليمسك بزلة على إخوانه.
هي شخصية كريهة – أعاذنا الله وإياكم منها – لكنها موجودة وبكثرة في المجتمع.
قوم يتصيدون الأخطاء، ويشوهون النجاحات، وما أشبه بعض وسائل الإعلام في عصرنا بالخنفساء، فلا يعلو صوتها إلا على الأخطاء، ولا تضع في حسبانها إلا ما يطعن في عرض المجتمع وشرفه، ويؤجج الفتن بين أطيافه.
أما الصلاح والخير، فالخنفساء الإعلامية لا تراه أصلًا، فضلًا عن أن تنشره أو تثمنه، وترفع من قيمته.
وأخطر شيء أن يوجد ذلك في التيار الإسلامي، فكلما كثرت الخنافس كلما كثر الطعن في العلماء، والتجريح في المشايخ والدعاة.
إن الخنفساء لا تعرف سلامة الصدر، وحسن الظن، والتماس المعاذير، ومعرفة الفضل لأهل الفضل.
إن الخنفساء لا تأبه للقاعدة النبوية الجليلة:( إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث)، بل هي تنقب وتجهد نفسها في البحث ليرى زلة لعالم، لا ليغفرها وينصح له، بل ليذيعها وينشرها، فهو لا يعيش إلا في الأوحال والزلات والمعايب.
إن الخنفساء جاحد للمعروف ناكر للجميل، ما أسهل أن يعض اليد التي أطعمته زمانًا، وأحسنت إليه دهرًا، وتسببت في تفريج كربه عمرًا.
ولابد للتيار الإسلامي إذا أراد النجاح والفلاح أن يضع هذه الخنافس في مكانها الطبيعي، وأن يطئها بقدمه، إن لم ترجع عن الدونية والحقارة، ولا تقدم أبدًا وحقها التأخير، ولا ترفع وحقها الوضع، لأنها سوس عفن ينخر في الجسد، ولا يتوقف حتى يأتي على جميع الجسد، ويخلفه وراءه أطلالًا بالية، وأثرًا بعد عين.
فلا تكن رديء الطبع مثلها، فإنها إذا دُفِنت في الورد ظلت ساكنة ولم تتحرك، فإن أعيدت إلى الروث رتعت.
فإياك وأخلاق الخنافس!!