عصام دربالة .. صوت العقل الذى رحل
بقلم: أ/ سمير العركى
كل من يعرف د./ عصام دربالة رئيس مجل شورى الجماعة الإسلامية يعلم جيداً أن وفاته فى سجن العقرب نتيجة الإهمال الطبى ليست خسارة فقط للجماعة الإسلامية وللحركة الإسلامية بل لمجمل عموم الحياة السياسية فى مصر وأزمتها الطاحنة الراهنة فدربالة كان بمثابة رمانة الميزان فى الفترة العصيبة التى عاشتها مصر منذ الثالث من يوليو 2013 إلى أن تم القبض عليه وأحد أهم الذين ساهموا فى سلمية المشهد العام فى مصر حتى الآن ومنع عسكرة الثورة المصرية ودافع عن سلميتها وحاول طويلاً التدخل لوضع رؤية لإنهاء الصراع فى مصر بما يحفظ على الدولة تماسكها وديمومتها .ويحفظ للشعب المصرى حقه فى عدم العبث بإرادته واحترام اختياراته .
الدور الذى قام به الشهيد د./ عصام دربالة كان امتداداً للدور المهم الذى قام به فى مراجعات الجماعة الإسلامية الفكرية فى مطلع الألفية الثالثة ولعل أبرزها كتابه الأهم فى الرد على تنظيم القاعدة والذى حمل اسم ” استراتيجية القاعدة الأخطاء والأخطار ” والذى لم يأخذ حقه فى النشر داخل مصر ولم تهتم مؤسسة الأزهر بالترويج له رغم أهميته وشموله وعمقه .
كما امتدت إسهاماته فى محاربة الفكر التكفيرى والتحذير منه وله مصنف ضخم فى منافشة الأفكار التكفيرية لم يطبع بعد .
وعقب الثالث من يوليو كانت الرؤية الأساسية التى اعتمدها دربالة وظل مصراً عليها حتى لقى ربه هى ضرورة التوصل لحل سياسى للأزمة بعيداً عن التكفير والتفجير وقتل المتظاهرين وهى اللاءات الثلاث التى رفعها الفقيد وأيدها بمجموعة من الرسائل الهامة فى هذا الصدد منها رسالة : “لا لقتل المتظاهرين” ورسالة: “لا للتفجير ” إضافة إلى رسالة ” تدمير البنية التحتية.. جهاد مشروع أم فساد ممنوع ” .
ورغم كل هذه الجهود التى تدفع فى اتجاه حقن دماء المصريين ومنع انجرار مصر إلى مستنقع الفوضى إلا أن النظام الحاكم كان له رأى آخر فاعتقله وأودعه سجن العقرب وأصرت النيابة العامة على تجديد حبسه المرة تلو الأخرى رغم عدم وجود تهم حقيقية يحاكم عليها حتى أنهم – ولشدة الغرابة – وجهوا إليه تهمة تأليف رسالة فى الرد على داعش لمجرد أنه ذكر فيها عدم جواز قتل المتظاهرين سلمياً !!!
أما قيمته الإنسانية فهذه يدركها ويعرفها كل من خالطه وعاش معه أو حتى التقى به لقاء عابراً فقد كان معتزاً بنفسه فى تواضع جم وتقدير للآخرين ، منكراً لذاته ، ودوداً متبسماً متأدباً فى خلافه زاهداً فى مأكله وملبسه وعموم حياته .
كما كان شجاعاً ومدافعاً صلداً عن أفكاره ومايؤمن أنه حق مهما كلفه ذلك من تضحيات جسام .
عصام دربالة القيمة الفكرية والعلمية والإنسانية كان النموذج الذى تحتاج إليه مصر فى هذه الأوقات العصيبة التى تمر بها ، فقد كان يمثل صوت العقل وسط طوفان الهيستريا الهادر الذى أحاط بنا من كل جانب .
كان بما لديه من مخزون إنسانى وفكرى يمكنه لعب دور مهم فى حل الأزمة الطاحنة التى تمر بها مصر بدلاً من أصوات التحريض والكراهية التى أحدثت صدعاً فى المجتمع المصرى من الصعب التئامه على المدى القريب .
ولكن يبدو أن هذه الصفات التى يمتلكها الراحل الكبير كانت سبباً رئيساً فى تغييبه خلف القضبان والإسهام الجدى والفعلى فى تصفيته بإهمال علاجه لأن المطلوب الآن غياب صوت العقل ليستمر مسلسل اللامعقول الذى يسمح باستمرار التشوه الإنسانى والأخلاقى الذى ابتليت به مصر .
رحم الله الفقيد الكبير.. صوت العقل الذى افتقدته مصر .. وأنقذ شعبها من هذا النفق المظلم الذى يزداد قتامة مع مرور الأيام !