القائمة إغلاق

مدخل إلى علم السياسة الشرعية

بقلم / فضيلة الشيخ أسامه حافظ 

انفردت حضارتنا الاسلامية بابتكار مجموعة من العلوم لم تسبق إليها وتعلمت منها حضارات العالم ولازالت تتعلم ، منها علم العروض- موسيقي الشعر- وعلم مصطلح الحديث وعلم أصول الفقه ..ومن أبرز تلك العلوم المخترعة علم السياسة الشرعية .
وهو علم كما يظهر من اسمه يبحث في النظم والسياسات التي تدار بها الدولة وتحقق مصالح أبنائها سواء كان ذلك في نصوص الشرع المباشرة أو لم يكن فيها نصوص جزئية مباشرة وهو الأغلب 
وقد استعمل السلف في البداية لفظ السياسة منفردا ليعبروا عن تلك السياسات ولما جاء بنو العباس توسعوا في استخدامها وتعدي بعضهم حدود الشرع فأضاف الفقهاء لفظ الشرعية لها ليبين ان تلك السياسات وان كانت في مجملها لاتستند الي نص جزئي مباشر الا أنها نصوص شرعية لها أصولها .
ولأن الحوادث غير متناهية وكثيرة والنصوص المباشرة الجزئية خاصة في هذا الباب قليلة فقد لجأ الفقهاء الي المصادر المختلف عليها ” المصالح المرسلة والعرف وسد الذرائع و……”والي غيرها من العموميات كالقواعد الفقهية والمصالح والسوابق القضائية والتاريخية ليستأنسوا بها في اجتهاداتهم بشرط أن توافق روح الشريعة ولاتعارض نصا جزئيا .
والعلوم الانسانية بصفة عامة تتسم بالتغير وعدم الثبات ويؤثر الزمان والمكان والاحوال فيها فكان طبيعيا أن تتغير اجتهادات الفقهاء تبعا لتغير الواقع ويتطور تبعا لذلك فقه السياسة الشرعية بتطور المجتمع والواقع المعاش فيه إذ ان أكثر مكونات هذا العلم تستند الي مصدر متغير يتغير مع الواقع .
والملاحظ أن أبواب الفقه تتفاوت جدتها وحيويتها بكثرة الاستعمال وقلته وكثرة اجتهادات الفقهاء فيها فمثلا باب البيوع والمعاملات نجد مسائله مواكبة للواقع المعاش لكثرة الاستعمال ومع كثرة الاستعمال يكثر السؤال وتكثر الاستفتاءات أما باب مثل باب الجهاد وباب الحدود فلازالت مفرداته قديمة لا تواكب العصر وتتحدث عن واقع غير موجود كقتال الفرسان والسلب والعبيد وماشابه ذلك نتيجة قلة استعمال هذه الابواب وقلة الاستفتاء فيها .. ولذلك فإن باب السياسة الشرعية يعاني مما تعاني منه تلك الابواب المهجورة والحديث فيه عادة لايجاوز ماتحدث به الماوردي وابن عقيل منذ قرون عدة حتي من كتب فيه من المحدثين سار علي نفس المنوال متجاهلا أن الواقع ينبغي ان يقود هذه الفتاوي الي نظر جديد يناسبه خاصة ان اكثره لايتكئ علي نص جزئي مباشر يلزم العالم بالثبات عليه .
ومدارس الكتابة في السياسة الشرعية لها شكلان تماما مثل مدارس الاصوليين فأهل الرأي جعلوا وجهتهم فتاوي علمائهم وممارسات حكامهم وصنعوا منها القواعد التي تملأ كتبهم ومدرسة أهل الحديث صنعوا القواعد من النصوص ومصادر التشريع المختلفة أولا ثم فرعوا عليها مسائلهم.. وتميز من بين كل من كتبوا في السياسة الشرعية العلامة الجويني الذي اقتحم مجالا لم يسبق في كتابه الغياثي واستبق بخياله شيئا الواقع إلي شئ غير موجود ليؤصل لمسائله مثل مسألة خلو الزمان عن السلطان وكيف يواجه المجتمع هذه الأزمة وكيف ينشئ مؤسسات تقوم مقام النظام ليديروا شئونهم وهكذا سبق ولازال يسبق كلتا المدرستين بخياله الواسع وجدة ماكتب .
ومما سبق نقول إن علماءنا ينبغي أن يستأنسوا بكتابات السابقين ونهجهم وتحررهم ليطوروا هذا العلم ويستخرجوا أحكاما تناسب مستجدات العصر بصورة لاتصادم ثوابت الدين ونصوصه وتتوافق مع حاجة المسلمين في نوازلهم .
وقد انتبهت منتديات الوسطية في مصر والكويت فدعت الي عمل مؤتمرات علمية دعت إليها لفيفا من العلماء ليشرعوا في انشاء موسوعة في هذا المجال وقد شجعهم ظهور الاسلاميين في الربيع العربي وتجدد الحديث في هذا الموضوع ولكن المشروع لم يكتمل وان كنا نأمل في استنهاضه ليلقي حجرا في مائه الراكد 
الديمقراطية مثالا كانت الديقراطية نظاما قديما في بعض قري اليونان اندثر مع ما اندثر من حضارتهم ، ولما نجحت الثورة الفرنسية في اقصاء حكم الملوك والقسس بحثت عن نظام جديد يحل محلهم فاستخرجت من ركام الهدم القديم هذا النظام ، ولأن الديمقراطية المباشرة يصعب تنفيذها في المدن الحديثة اخترعوا الديقراطية المباشرة وشبه المباشرة وشاعت تلك الديقراطيات في السياسة الغربية كل بلد يضيف أو يحذف أو يطور بما يناسبه كنظام واصبحت تلك الديمقراطية تراث انساني يتداوله الجميع ويأخذ منه مايريد .
ولما جاءت الديمقراطية الي بلادنا استقبلها البعض بالرفض الذي وصل الي التكفير باعتبارمصدره الغربي وكون فلسفتها هي حق الشعب في ان يشرع لنفسه بغير قيود وأنها بديل غربي للشوري الاسلامية .. والحق أن هذه 
السفسطه مبالغات ففلسفة الديمقراطية لايكاد بلتفت اليها أحد وكونها جاءت من الغرب فإن ذلك لايقدح فيها وقد نقل عمر بن الخطاب رضوان الله عليه الدواوين وغيرها دون ان يشعر في ذلك بحرج ولكن آليات الديمقراطية أكثرها لايتعارض مع أدلة الشرع وأساليبها في معالجة وظائف الدولة .. وليس هناك مايمنع من الحذف والتعديل بما يناسب ثقافتنا وديننا فهي منتج بشري من تراكم خبرات كثيرة وطويلة للبشرية لايوجد مايمنع من الاستفادة منه 
قضية تقنين الشريعة : مثال آخر فقد كان القضاء في أكثر تاريخ الدولة الاسلامية لاتوجد أجهزة تشرُع له القوانين وكان القاضي يقوم بالأمرين معا التشريع – الاجتهاد- ثم الحكم وكان هذا النظام يعطي مرونة كبيرة للقاضي في أحكامه إذ يعطي أحكاما مختلفة للجريمة الواحدة بما يناسب الظروف المشددة والمخففة ولكن مع شيوع الفساد في القضاء وتنازع الاختلافات في الاجتهاد نشأت فكرة التقنين استيرادا من الغرب وشرعت الدولة العثمانية في تقنين الشريعة واستفاد القضاء من هذه الخبرات البشرية دون حرج .
وبعد 
فمازلنا في حاجة للمزيد في هذا ونظرات سادتنا العلماء والمشرعين فيه وهو علم لاينقطع النظر فيه مادام المسلمون يعيشون حياتهم بدينهم وبحار الشريعة معين لاينضب بنصوص وبغير نصوص فأصول وقواعد الشرع أحاطت بكل مايحتاجه البشر

التعليقات

موضوعات ذات صلة