بقلم فضيلة الشيخ / أسامة حافظ
ازعم أن جماعتنا – بفضل الله ومنته- من أكثر التجمعات في المجتمع سياسية كانت أو اجتماعية أو ثقافية التي تستوعب الاختلاف وتتقبله دون أن يحدث فيها تمزقا أو خروقا .. ورغم أن الجماعة يديرها مجلس شوري متعدد الأعضاء ومتعدد العقول والمواقف بقدر تعدد أعضائه نتفق أحيانا وتتباين آراؤنا ومواقفنا أحيانا أخري .. نختلف ونتحاور وترتفع أحيانا أصواتنا وتتقاطع آراؤنا ولكن – ولله الحمد والمنة – لازالت علاقتنا وثيقة رغم مرور هذه السنين الطوال لم يؤثر في متانتها الاختلاف أو تباين وجهات النظر .
واعتقد أن أهم عامل حافظ علي هذه اللحمة وحفظ في قلوبنا المحبة في الله رغم ذلك هو أننا جميعا تربينا تربية سلفية رشفنا فيها من كتابات علماء السلف الصالح وتمثلنا نهجهم في حسن الظن وإعذار المخالف واستيعاب الخلاف .. فقد كانوا رضوان الله عليهم أجمعين يختلفون ولا يتخاصمون .. يدركون أن كثيرا من نصوص الدين ظنية تختلف الأفهام في فهمها وإدراكها فيتسع صدرهم للمخالف ويقدرون اجتهاده ولا يجعلون بينهم وبين المجتهد ولا اجتهاده تنازعا أو خصومة تمنعهم من احترام كل من المجتهد واجتهاده .
بل إن كثيرا منهم ألف في هذا الاختلاف كتبا ليوسع مدارك طلاب العلم ويطلعهم علي مناهج العلماء في الاستنباط .. ومن ابرز الكتب التي تتلمذنا عليها جميعا في هذا الأمر كتاب العلامة ابن رشد الشهير ” بداية المجتهد ونهاية المقتصد ” وكيف جمع العالم الكبير مسائل الاختلاف بين الأئمة وشرح منزع كل منهم وسبب تبنيه لأرائه ولم يرجح بينها أو يفرض مذهبه علي الكتاب ليقرأ من يقرأ بحياد ودون أن يتأثر بالكاتب ورأيه .
كانت هذه الطريقة التي تربينا عليها وغرسها فينا من تتلمذنا علي يديه من أهل العلم .. تزداد سعة أو ضيقا من شخص لآخر بقدر ما تتسع قراءات الأخ واحتكاكه بالشيوخ ومذاهب أهل العلم .
ومنذ أن بدأت الكتابة ومن بين عشرات المقالات التي كتبت جعلت جزءا كبيرا منها لإزالة الران الذي غطي علي هذه الصفة وأعيد جلاءها ليزداد اتساع صدورنا لقبول الرأي الأخر في مسائل الاجتهاد الظنية .. فكتبت في الموضوع مباشرة مثل مقال ” لماذا لا نختلف ” وكتبت بطريقة غير مباشرة عن طريق اختيار بعض مسائل الفروع التي اختلف فيها أهل العلم لأعرض أقوالهم التي لم نتعودها لنتعلم نهجهم في الاستنباط الذي بنوا عليه رأيهم من مثل كلام السيوطي حول والدي النبي صلي الله عليه وسلم وصاحب السيرة الحلبية حول مشروعية الاحتفال بالمولد النبوي والقول في إباحة الموسيقي وغير ذلك ممن اتفقت أو اختلفت مع أرائهم واجتهاداتهم .. ولكن قصدي من العرض لم يكن انتصارا لوجهتهم بقدر رغبتي في إطلاع إخواني علي الرأي الأخر والدعوة لتوسيع الأفق تجاهه مادام للاجتهاد فيه منزع من العلم والمنطق وأقوال علمائنا من سلف الأمة الصالح.
اعلم أن هذه المسألة كثيرا ما تشق علي البعض فقد اعتاد كثير منا بطول الإلف رأيا واحدا وأن ينظر إلي ما عداه باعتباره الباطل في مواجهة الحق لا باعتباره مخالفة في الاجتهاد أو حتي مجرد خطأ في الاستنباط في مواجهة ما أراه صوابا .
والحقيقة أننا في اشد الحاجة لتنمية تلك الروح السلفية في التعامل مع اختيارات الآخرين لنستطيع التعامل بسعة صدر مع غيرنا من الإسلاميين وتنمية الحب في الله ونحن ننظر إليهم باعتبار اختلافنا معهم مجرد اختلاف في فهم النصوص لا باعتبارهم أهل ضلال وبدع ومعاص .
أقول هذه المقدمة الطويلة للحديث حول كثير ممن يعلقون علي مقالاتى ومقالات معارضيهم من الكتاب
فبداية أؤكد أنني اسعد كثيرا بتعليقات الأخوة علي ما اكتب .. واحتفل بهذه التعليقات ربما أكثر من احتفائي بالمقالات .. وأسعد بمن يخالفني ربما أكثر من سعادتي بمن يوافقني لأنه يدلني علي ما عندي من قصور أو نقص .. وعادة ما أتقبل ما يحدث فيها من تجاوزات باعتبار ذلك ضريبة حرية الرأي واترك للزمن أن يرشد أسلوب التعليق .. واعتبر أن الخلاف والحوار والاعتراض ظاهرة صحية جدا في الجماعة لأنها تدل علي حيوية الأفراد وإيجابيتهم تجاه ما يكتب وأعتقد أنه أفضل في كثير من الأحوال من التأييد والمدح الذي قد يكون أحيانا ثمرة عقلية التبعية التي نحتاج للتخلص منها لنستطيع التقدم للأمام بنبذ السلبية وتنمية روح الابتكار بين إخواننا.
كثيراً ما يزعج إخواننا اختلاف الآراء ويعتبر أن عدم الخوض فيها هو الأنسب لأننا في حاجة – كما يقولون – إلي وحدة الصف واتحاد الكلمة .. ولكني أعتقد أن هذا المنطق مغلوط فوحدة الصف لا يعوقها أن نتحاور ونختلف ويصحح بعضنا لبعض ويضيف ويقوم فإننا إن عزفنا جميعاً منظومة واحدة فإننا سنظل علي جمودنا دون أن نضيف جديداً إلي معزوفتنا فقط نحتاج إلي أخلاقنا الإسلامية في الاختلاف والحب في الله وحسن الظن .. هذا هو ما يحفظ وحدتنا ويجمع قلوبنا وإن اختلفت اجتهاداتنا وآراؤنا.فإنني لأشيد بإدارة الموقع وسعة أفقهم أن ينشروا الرأي الآخر وإن خالف رأيهم وينشروا الردود علي ما يكتب والتعليقات دون حرج والتي كثيراً ما تكون شديدة وجارحة حرصاً منهم علي تنمية هذه الروح الطيبة .. ومادام الخلاف لم يتجاوز مسائل الاجتهاد التي ألف أهل العلم الاختلاف عليها إلي القطعيات والمعلومات من الدين بالضرورة فلا حرج أن نختلف كما اختلفوا ونتحاور ويسعى كل منا لعرض وجهة نظره اتفقنا بعد ذلك أو لم نتفق فالحب بين قلوب المؤمنين ووحدة صفهم لا يؤثر فيها السعي للوصول للصواب والاختلاف والتلاحي فإن في الدين سعة أن نسعى إلي تضييقها مادام في إطار الكتاب والسنة واجتهادات أهل العلم من السلف
وحدة الصف .. رغم الاختلاف

التعليقات