قراءة فى فكر الجماعة الاسلامية
“قراءة في بند طــرِيـقُـنـَــــا “
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
قالت الجماعة الإسلامية فى كتابها
” ميثاق العمل الإسلامى ” :
(طريقُنا: الدعوةُ إلى اللهِ، والأمرُ بالمعروفِ
والنهيُ عن المنكرِ، والجهادُ في سبيلِ اللهِ،
مِن خِلالِ جماعةٍ مُنضبطةٌ حركَتُها بالشرع
الحنيف تأبى المداهنة أو الركون وتستوعب
ماسبقها من تجارب)
ويقول الميثاق في الشرح :(قلنا في حديثنا
عن فهمنا للإسلام؛ أننا نفهمه كما فهمه
علماء أمتنا، وقلنا ونكرر:
(إن فهم الإسلام بشموله هو المقدمة الضرورية
للعمل به بشموله دون انتقاص منه أو ابتداع
فيه، دون تقصير أو مجاوزة للحد)
وتقول):(والمتأمل للطرق والوسائل التي طرحها الإسلام كصيغ للتعامل مع الواقع بشتى متطلباته وتحدياته، وبكل جزئياته، وفي أي زمان وأي مكان، لا يجدها تخرج عن الثلاث التي ذكرناها
“الدعوة”
و “الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر”
و “الجهاد”،
ولكل منها فقهه وضوابطه، ولكل منها أيضا حدوده ومجالاته)
وتقول :(إن تعاملنا مع الواقع كيما يؤتي ثماره لابد وأن يكون من خلال جماعة، وأن العمل الجماعي المنضبط شرعا والمنظم حركة قد أضحى ضرورة يمليها الشرع وحتمية يمليها الواقع بكل تحدياته)
فالجماعة ترى أن الطريق الذى يجب أن يصل به المسلمون إلى إقامة الدين قد رسمه لهم الاسلام فى عدد من الواجبات الشرعية التى تتعامل مع الواقع وهى :
@ االدعوة إلى الله وهى فرض كفاية ولكنه قد يتحول إلى فرض عين عندما لايجد من يقوم به أو لايكفى القائمون به كما او كيفا وهذا الواجب هو الكفيل بنشر العلم والحق والفضل والقيم والمبادىء وكل أحكام الاسلام بين الناس
@ والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وهو كذلك واجب كفائى يتحول إلى فرض عين فى بعض الحالات مثل أن يوجد المنكر ولايوجد من يقوم بتغييره أو من يقدرعلى ذلك إلاهو فيتعين عليه فى هذه الحالة على تفصيل فى كتب الفقه
وهذا هو الواجب الذى يتعامل مع المنكرات حال وجودها وانتشارها فى المجتمع وهو الواجب الكفيل بتطهير المجتمع من الفساد إذا قام حقا بضوابطه وشروطه وآدابه
@ والجهاد فى سبيل الله وهو كذلك فرض كفايةيتحول إلى فرض عين إذا داهم العدو البلاد أو انتدب الإمام الناس للجهاد وإذا حضر المسلم صف الجهاد تعين عليه ولايجوز له الرجوع عنه
وهذا هو الفرض الذى يضمن حياة الأمة
حياة قلوبها فتظل دائما مستعدة نفسيا لمفارقة متاع الدنيا من أجل الدين فتسمو بذلك على الدنيا وزخرفها ولاتخلد إليها .
وحياة أبدانها وديارها بالدفاع عنها والزود عن حرماتها.
وهذه الفرائض الثلاثة هى طرق إقامة الدين وبالتالى الحفاظ على المجتمع وإصلاحه وتغيير أى فسادٍ فيه
ولعظمة هذه الفرائض ومشقتها فإن الاسلام أوجب السعى إليها من خلال الجماعة لذا تستدل الجماعة بان الشرع الحنيف أوجب الجماعة فى السفررغم أنه أمر عارض فقال الرسول صلى الله عليه وسلم ( إذا كنتم ثلاثة فى سفر فأمروا أحدكم ) رواه البخارى فمابالك بالعمل من أجل إقامة الدين وإقامة دولة الإسلام ثم الحفاظ عليها من أعدائها المتربصين بها من كل جانب ؟
وتشترط الجماعة فى الجماعة التى تقوم بإقامة الدين شروطا
أهمها وأولها :الانضباط بالشرع الحنيف لأن الغاية لاتبرر الوسيلة وفاقد الشىء لايعطيه .
وثانيها أن تأبى المداهنة والركون .
وثالثها أن تستوعب ماسبقها من تجارب .
وقد سلكت الجماعة الاسلامية بالفعل هذا الطريق فاعدت أبناءها للقيام بالدعوة إلى الله بكل وسائلها ونشرت دعوة الاسلام فى كل مكان فى الجامعات والمدارس والقرى والمدن مستفيدة من كل الوسائل المشروعة من أجل نشر الدعوة كالخطب والدروس والمعسكرات والمعتكفات والبيانات والكتب والأعمال الخيرية
كما نشرت فقه الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر للحد من الفساد والمنكرات وتصدت لمحاولات صبغ المجتمع بصبغة الفاحشة والاستهتارومحاولات تغريب مصر وتبديل هويتها وكان لقيامها بهذا الواجب ثمرة عظيمة فى منع الترخيص لمحلات الخمور فى مصر والفصل بين الطلبة والطالبات فى مدرجات الجامعة ومنع الكوارث الأخلاقية التى كانت تحدث فى الجامعة تحت ستار الرحلات الترفيهية والحفلات الفنية ومحاربة المخدرات وكذا السرقة والبلطجة ومنع البدع والموبقات الأخلاقية التى كانت ترتكب باسم الاحتفال بليلة رأس السنة الميلادية وغير ذلك
أما فى طريق الجهاد فقد رَبَّت الجماعة أبناءها على الاستعداد للجهاد فى سبيل الله لتلبية نداء الجهاد فى أى مكان وجاهدت الجماعة كل أنواع الجهاد؛ بالمال وباللسان والصدع بكلمة الحق وتعرية الباطل وكذا باليد فى سبيل الله .
أما خارج مصرفقد أقامت معسكرا للجهاد فى أفغانستان شاركت من خلاله فى قتال الشيوعيين هناك وقدمت عددا من شهدائها فى أفغانستان وفى البانيا والبوسنة والهرسك وغيرها
وقد كان من جراء ذلك كله أن تعرضت الجماعة الاسلامية لمحاولات شرسة لاستئصالها وتصفية قياداتها جسديا وإدخال أبنائها فى اعتقال مدى الحياة واضطرت الجماعة لرفع السلاح فى وجه النظام واشتعلت المواجهة واتسعت جبهاتها خارج مصر وداخلها
وبعد أن قضت الجماعة ثلاثين عاما فى العمل الإسلامى كانت خلالها تراجع مدى انضباط حركتها بالشرع الحنيف وتعاود تأمل سيرة النبى صلى الله عليه وسلم والأحكام الشرعية المستفادة منها
وكذلك بعد أن عاشت الجماعة وخاضت كثيرا من التجارب الطويلة والمثيرة سواء فى طريق الدعوة إلى الله أو الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر أو الجهاد فى سبيل الله داخل مصر وخارجهاواكتسبت مزيدا من الخبرات عادت الجماعة فراجعت حركتها وسجلت مراجعاتها وخلصت من هذه المراجعات إلى عدة خلاصات سطرتها فى كتبها أهمها :
ـ أن الحكم الشرعى له أسبابه وله كذلك شروطه وموانعه فقد تتوفر أسباب الجهاد مثلا ولكن هذا لايعنى وجوبه إلا بعد توفر الشروط مثل القدرة على الجهاد .
ـ وقد تتوفر الأسباب والشروط ولكن هناك موانع تمنع القيام به فكذلك لايجب الجهاد حتى تزول الموانع وحتى يتم قياس المصالح والمفاسد فترجح مصالحه على مقاسده وكانت هذه المصالح معتبرة شرعا .
ـ ومن الموانع مثلا عدم القدرة أو أن تكون المفسدة من الدخول فى الحرب متحققة دون حدوث أى مصالح أو نكاية فى العدو فلا يجوز .
أما الخلاصة الثانية
J فهى أن النبى صلى لله عليه وسلم لم يلزم نفسه بخيار واحد فى طريقه لإقامة الدين بل شرع الله تعالى له خيارات كثيرة حسب الواقع وحسب الحالة التى يمر بها
ومن هذه الخيارات و البدائل :
1ـ الصبر وتحمل الأذى بمعنى عدم الرد على الأذى وقد يجب هذا عندما يكون الرد مؤديًا إلى مفاسد أعظم وتكون مفارقة الصبر إلى الدفع مؤدية إلى الاضطرار إلى صبر أشد على ماهو أفظع وأذل مما كان .فهو فى هذه الحالة هروب من صبر إلى صبر أَمَرٍّ، ومن ذُلٍ إلى ذُلٍ أشد .
2ـ التحالف كما فعل النبى صلى الله عليه وسلم مع حلف الفضول .
3ـ الهجرة والخروج بالدعوة إلى أرض أصلح لها أو الفرار بالدين من الفتنة
4ـ المعاهدة كما حدث فى بداية عهد النبى صلى الله عليه وسلم فى المدينة
5ـ التعايش كما حدث بين المهاجرين إلى الحبشة وبين النجاشى هناك
6ـ الصلح كما كان فى صلح الحديبية
7ـ الدعوة إلى الله تعالى سرًا وجهرًا وبكل وسيلة مشروعة
8ـ الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر
9ـ الجهاد فى سبيل الله
10 ـ المهادنة والموادعة ولوعلى مال كما همّ أن يفعل صلى الله عليه وسلم فى غزوة الأحزاب.
وهكذا كان النبى صلى الله عليه وسلم ينتقل من حكم إلى آخر ومن وسيلة أإلى غيرها حسب ما يحتاجه الواقع الذى يعيشه وما يصلح لهذاالواقع
الخلاصة الثالثة أهمية مراجعة الجماعة لحركتها كلها وموافقتها للشرع والعدول عما تراه خطأ أو غير مناسب فكل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون وكذلك الجماعات وإلا ما فتح الإسلام باب الاجتهاد رغم احتمال حدوث الخطأ بل أثاب على الاجتهاد وإن أخطأ المجتهد كما فى الحديث ( إذا اجتهد الحاكم فأخطأ فله أجر وإذا اجتهد فأصاب فله أجران)
والاعتراف بالخطأ خير من التمادى فى الباطل والجماعة التى تراجع حركتها وتعترف باخطائها فإنها بذلك تجدد حياتها لأنها تكون أقرب إلى الله تعالى .
لقد امتلكت الجماعة أنواعا من الشجاعة : شجاعة الجهر بالحق والصدع به والنهى عن المنكر، وشجاعة الجهاد والتضحية فى سبيل الله، وشجاعة الاعتراف بالخطأ
وهكذا خرجت الجماعة الاسلامية من محنتها وتجربتها أكثر نضجا وأوسع طريقا وأكثر بدائل وأغزر علما وأكثر تجربة وأعمق خبرة .