القائمة إغلاق

لئلا ينصرف الناس عند الدعوة

 

 

 

بقلم / قسم الدعوة الإسلامية بالجماعة الإسلامية 

 

 

*إن الدعاة إلى الله إذا ما طلبوا من الناس أجرًا على دعوتهم قد يكون ذلك سببًا في انصراف كثير من الناس عن دعوتهم بحجة أنهم فقراء وغير قادرين على الإنفاق على هؤلاء الدعاة، أو بحجة أن الغرم قد أثقلهم وأنهم لا يستطيعون الانضواء تحت لواء هذه الدعوة التي أثقلت كاهلهم بطلب الأموال التي يتقاضاها الدعاة أجرًا لدعوتهم وقد بيّن القرآن العظيم هذه الحقيقة حيث قال في معرض النكير على الكفار الذين رغبوا عن الإسلام ورغبوا في الشرك {أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًاً فَهُم مِّن مَّغْرَمٍ مُّثْقَلُونَ} [الطور: 40] وكأن القرآن يعجب من كفرهم ما الذي دفعكم للكفر فهل طلب منكم الرسول أجرًا فأجهدكم وأثقل كاهلكم هذا الغرم فتركتم الإسلام هربًا من دفعه وتخلفًا من أعبائه أم ماذا؟

** إذا تطلع الداعية إلى ما في أيدي الناس أو طلب منهم أجرًا على دعوته صار لديهم ممقوتًا مكروهًا وأصبح عندهم ثقيلاً وأضحى محتقرًا عندهم وضاعت هيبته في نفوس الناس وازدراه أكثر الخلق. وإذا وقع هذا للداعية فإنه يكون قد فقد أعظم مؤهلات نجاحه في دعوته ووظيفته. إذا كيف يقبل الناس على من أبغضوه وكيف يستمعون له وينقادون لأمره ويثقون في دعوته بعد هذه الكراهية.

وصدق الحسن البصري حين يقول: (لا يزال الرجل كريما على الناس حتى يطمع في دينارهم فإذا فعل ذلك استخفوا به وكرهوا حديثه وأبغضوه. و قال أيوب السختياني: (لا يقبل الرجل تكون فيه خصلتان: العفة عما في أيدي الناس، والتجاوز عما يكون منهم. ويفسر لنا الحافظ ابن رجب الحنبلي السر في كراهية الناس لمن يطمع فيما عندهم من الدنيا فيقول: (فمن سأل الناس ما بأيديهم كرهوه وأبغضوه لأن المال محبوب لنفوس بني آدم، فمن طلب منهما ما يحبونه كرهوه لذلك)، ولأن أكثر أسباب التشاحن والتباغض إنما يكون بسبب الدنيا وفي المقابل من هذا فإن الداعية إذا ما زهد فيما عند الناس ورغب في دينارهم ودرهمهم أصبح كريمًا عندهم محبوبًا لديهم. وهذا المعنى هو الذي بينه رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم حينما سأله رجل فقال له: يا رسول الله، دلني على عمل إذا عملته أحبني الله، وأحبني الناس: فقال صلى الله عليه وسلم: ((ازهد في الدنيا يحبك الله، وازهد فيما عند الناس يحبك الناس)) ولقد أوضح الحافظ ابن رجب الحنبلي هذا المعنى فقال: (وأما من زد فيما في أيدي الناس وعف عنهم فإنهم يحبونه ويكرمونه لذلك ويسود به عليهم، كما قال أعرابي لأهل البصرة من سيد أهل هذه القرية؟ قالوا: الحسن، قال: بم سادهم؟ قالوا: احتاج الناس إلى علمه واستغنى هو عن دنياهم).

ونخلص من ذلك كله أن الداعية إذا ما طلب من الناس أجرًا على دعوته أبغضه أكثر الخلق وصار عندهم ثقيلاً ممقوتًا يكرهون لقاءه أو الاستماع إليه، وأما إذا استغنى عن دينارهم ودرهمهم وزهد فيما عندهم من الدنيا أحبوه وأكرموه، وسودوه عليهم، وأحبوا بعد ذلك دعوته ولقاءه والاستماع إليه وتنفيذ أوامره. وبالذات في أيامنا هذه التي تكالب فيها الناس على الدنيا ويحرصون على المال والمنصب حرصًا شديدًا

التعليقات

موضوعات ذات صلة