“تعقيباً على تصريحات الرئيس التونسي حول الميراث”
التصريحات التي أدلى بها الرئيس التونسي مؤخراً والتي دعا فيها إلى المساواة بين الرجل والمرأة في الميراث ، وكذا دعوته إلى السماح للتونسيات بالزواج من أجانب غير مسلمين ، تمثل اعتداءً سافراً على ثوابت الشريعة الإسلامية ومقرراتها ، وذلك لمخالفتها للأحكام القطعية التي جاء بها القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة ، والتي أجمع عليها علماء الأمة في كل العصور .
وذلك أن الله تعالى قد بين هذين الأمرين في كتابه العزيز بياناً شافياً لا يدع مجالاً لاجتهاد مجتهد ولا تأول متؤول ، حيث قال الله عز وجل في شأن ميراث الأبناء والبنات : ( يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين ) [ النساء: 11] ، وقوله في شأن زواج المسلمة من الكافر : ( ولا تُنكٍحوا المشركين حتى يؤمنوا ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم ) [البقرة:221] . فليس بعد قول الله قول ، ولا يجوز لأحد كائناً من كان أنْ يفرض على الأمة الإسلامية رأياً أو قانوناً يخالف الأحكام القطعية الثابتة في القرآن الكريم أو السنة النبوية المطهرة ، وكل دعوى الاجتهاد في مثل هذه الأمور هي دعوى باطلة لا يمكن قبولها بحال .
غير أنه لا بد أن يعلم هؤلاء الذين يظنون أنهم يستدركون على حكم الله تعالى أنه إذا كان حكم الله في ميراث الأولاد من أبيهم وأمهم أن للذكر مثلَ حظ الأنثيين ، فإن هناك حالات تتساوى فيها الأنثى مع الذكر كحالة ميراث الإخوة والأخوات لأم الذين قال الله في شأنهم : ( وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث ) [ النساء : 12] أي يتساوى الذكور مع الإناث في اقتسام هذا الثلث ، بل هناك حالات تحجب فيها المرأة بعض الرجال فترث ولا يرثون ، وذلك كما لو ترك الميت بناتٍ وأختاً شقيقة وأخاً لأب ، فإن للبنات الثلثين وللأخت الشقيقة الباقي تعصيباً ، ولا شيء للأخ لأب ، لأن الأخت الشقيقة عُصِّبت بالفرع الوارث المؤنث فكانت أقرب من الأخ لأب فحجبته .
وعلى كل حال نحن لا نستبعد من هذا الرئيس وأمثاله ممن لا يقدِّرون الإسلام حق قدره ، ولا يعرفونه حق معرفته أن يتفوهوا بمثل تلك االأباطيل ، لكن الذي يدعو للأسف بل المرارة والأسى هو ما نقلته وكالات الأنباء عن إعلان دار الإفتاء التونسية عن تأييدها لتلك المقترحات الباطلة ، ولا أدري كيف لأقوام ينتسبون في الجملة للعلم الشرعي أن يخالفوا النصوص القطعية من كتاب الله عز وجل ، فإني والله لا أجد وصفاً لذلك التأييد إلا أنه نوع من العبث بشريعة رب العالمين ، والمجاملة الرخيصة على حساب شرع الله عز وجل .
ولذا فقد أحسنت مشيخة الجامع الأزهر حين أعلنت على لسان وكيل الأزهر عن رفض تلك المقترحات ، مبينة أن تلك الدعوات تظلم المرأة ولا تنصفها ، وتتصادم مع أحكام شريعة الإسلام ، وأن ذلك من التبديد الذي يلبس ثوب التجديد .
أما ما زعمه بعض المنتمين للحزب الحاكم في تونس من أن مقترحات الرئيس التونسي تهم المجتمع التونسي وحده ، وأنه ليس من حق أحد الدخول فى هذا النقاش ، ورفضه تدخل مؤسسات غير تونسية فى هذا الجدل ، وذلك في إشارة إلى موقف الأزهر الذي سبقت الإشارة إليه ، فإني أقول له : لا والله ليس شأناً خاصاً بكم ؛ لأنه يتعلق بشيء من ثوابت الشريعة التي لا يجوز تغييرها مهما اختلف الزمان وتغير المكان ، وإنا لندعو المخلصين من أهل العلم في العالم الإسلامي عامة ، وفي تونس المسلمة خاصة إلى أن يتصدوا لذلك العبث بدين الله وشرعه القويم .
وليعلم أهلنا في تونس أنهم وإن ابتلوا اليوم بهؤلاء المفتين المضلين فإن لهم من علماء بلادهم الكرام سلفاً كراماً في الصدع بالحق وعدم مداهنة أهل الباطل ، منهم العالم الجليل الطاهر بن عاشور صاحب تفسير التحرير والتنوير الذي كان له موقف عظيم في أوائل الستينات من القرن الميلادي المنصرم ، وذلك حينما دعا الحبيب بورقيبة الرئيسُ التونسي في ذلك الوقت العمالَ إلى الفطر في رمضان بدعوى أن الصيام يقلل الإنتاج ، وطلب من الشيخ رحمه الله أن يفتي في الإذاعة بما يوافق هذا القول ، لكن الشيخ ذهب للإذاعة وأفتى بما يُلزمه به دينه من عدم جواز الفطر إلا في الحالات التي حددها القرآن الكريم كالمرض والسفر ، بل قيل إنه قال في نهاية كلامه : ( صدق الله وكذب بورقيبة ) . رحم الله ذلك الشيخ الجليل وأعاننا على الاقتداء به وبمن سبقه من أهل العلم والدين آمين .
————————-
عبد الآخر حماد
عضو رابطة علماء المسلمين
صدق الله وكذب المُضلون

التعليقات