بقلم: المهندس أسامه حافظ
أثار البعض ضرورة اجتماع كلمة الحركة الإسلامية علي كلمة سواء وتوحد صفوفهم في مواجهة الهجمة العاتية التي تجتاحهم وتوشك أن تقتلعهم وتحدث البعض تنظيراً وتقعيداً؛ فأحببت أن أشارك برأيي المتواضع مع الإخوة الذين سبقوني في الحديث حول هذا الموضوع ربما أشارك بإلقاء حجر في الماء الراكد في هذه القضية القديمة الجديدة .
بداية وقبل الدخول في الموضوع لابد من مقدمتين أمهد بهما للموضوع الأولي :
أن كل الجماعات والجمعيات العاملة في الحقل الإسلامي – باستثناء جماعات التكفير وأصحاب الشذوذ العقائدي – يحملون ويدعون إلى عقيدة أهل السنة والجماعة .. فجماعات الإخوان والسلفيين والتبليغ والجماعة الإسلامية وجمعيات مثل أنصار السنة والجمعية الشرعية وغيرهم يتبنون عقيدة أهل السنة والجماعة وإن دخل فيهم أفراد على غير ذلك فإنه عندهم ليس نهجاً ولا دعوة .. وكذا فإن مناهجهم في تلقي فروع الفقه والعمل بها هو منهج أئمة أهل السنة والجماعة بمذاهبهم الأربعة ومنهج أهل الحديث وغيرهم ولا تجد فيهم من يتبنى في فروع الفقه من غيرهم من المذاهب كالشيعة أو الخوارج أو غيرهم .. وعليه فهم جميعاً متفقون على ثوابت العقيدة والفقه مما يجعلهم من الناحية العلمية من الفرقة الناجية ولا ينطبق عليهم حديث الفرق – إن صح – ولا يعد تنوعهم واختلافهم داخلاً في ذلك التنوع المذموم .
الثاني : أن هذه الجماعات والجمعيات تتفق في هدفها الأساسي وهو السعي لإقامة الدين في الفرد والأسرة والمجتمع بل والعالم أجمع وأنهم لا يختلفون على هذا الهدف الأساسي وأن أهدافهم الثانوية إنما هي سبيل لتحقيق هذا الهدف الأساسي وبالتالي فإنهم يجتمعون على وحدة الهدف وهو إقامة الدين سعياً لإرضاء الله عز وجل،ونستطيع من هذه المقدمة أن ندرك أن هذه التجمعات والمسميات ما هي إلا أطر تنظيمية لمجموعة من الأفراد تجمعهم لائحة مكتوبة أو عرفية ليسعوا سوياً بالعمل للدين لتحقيق الهدف سالف الذكر من خلال نهج اتفقوا عليه اجتهاداً من الكتاب والسنة، والمقصود من ذلك أن التنوع هنا ليس تنوعاً في أصول العقيدة والفقه وإنما هو تنوع في اجتهادات هذه الجماعات في الوسيلة المناسبة لتحقيق الهدف ..الكل لا يختلف على شمولية الإسلام لكل مناحي الحياة‘ ولكن الخلاف حول العمل وترتيب أولوياته حسب المتغيرات المختلفة المؤثرة في هذا الترتيب .
الاختلاف هنا بصفة عامة ليس ظاهرة سلبية إذ أن كل تجمع يقف على ثغر من ثغور الدين يعمل فيه بجهده مكملاً ما عند الآخرين من أعمال .. وكل تشكيل منهم يستوعب في جهده من تشاكل معه فتستوعب كل الطاقات والميول والاجتهادات في هذه التشكيلات عملا للدين؛ إذن من أين يأتي الخلل ؟
1- الهدف لدى البعض – إقامة الدين – ليس واضحاً بصورة كافية؛ فنراه ينشغل بإهداف جزئية أو بالوسائل الموصلة للهدف عن الهدف الأساسي وقد يضحي في سبيل التمسك بمسميات أو شعارات من اختراعه لم نؤمر بها ولم ننه عن تركها بأمور من صميم الدين لم يجز الشارع التخلي عنها وقد يتمسك البعض بالوسائل ويبالغ في ذلك حتي يضيع الهدف.
2- من أخطر مظاهر الخلل هو تقديس الموروثات من أشخاص أو أفكار أو أعمال القادة ممن سلف ورفع تلك الموروثات إلى مرتبة فوق النقد ونتجاهل أنها موروثات بشر خطاء لها ظروفها المرتبطة بواقع وأحوال متغيرة تحتاج لنظر جديد يناسب جديد الواقع والظروف والأشخاص والمشكلة أن التمسك بهذه الموروثات يسمونها الثبات على الحق والصحيح أن الحق هو الكتاب والسنة وماعدا ذلك من اجتهادات الأشخاص ومواقفهم لا يتحدث عن الثبات عليها إلا أن توافقهما وفارق كبير بين الثبات على الحق والدوران معه حيث دار وبين الثبات علي الرأي
3- من أكبر الخلل ألا يدرك الأفراد أن الانتماء للجماعة وفكرها هو بعض من الانتماء للإسلام وأن الانتماء لأفرادها هو بعض من الانتماء العام للمسلمين ولذلك فمن الخطأ أن يطغى الانتماء الجزئي على الكلي فنقدم الانتماء لأفراد الجماعة على الانتماء لعموم المسلمين فيكون تحابنا في الجماعة لا في الله وتتحول الجماعة من وسيلة لإقامة الدين إلى هدف كثيراً ما يطغى علي الهدف الأصلي
4- اعتقاد البعض أنهم جماعة المسلمين التي أمرنا بلزومها والتي وصم مفارقها بالضلال ووجب قتله حفاظاً علي وحدة الجماعة .. بل قد يصل الأمر بالبعض لتكفير من خالفهم وقد لا يجرؤ البعض على قول ذلك صراحة ولكن تصرفاته تحمل هذا المعنى فيصف جماعته أنها الجماعة الوحيدة التي تحمل منهج الحق أو أنها الوحيدة التي فيها صفات جماعة المسلمين أو أكثرها وينعكس ذلك على تصرفاته فيحتقر الآخرين ويجتنب التعاون معهم ومشاركتهم أعمالهم وإشراكهم في أعماله ويستنكر على أفراده مصاحبتهم ويوهن محبتهم في القلوب بكثرة ذمهم ويجتنب الصلاة في مساجدهم والذهاب إلى مجامعهم ومنشأ كل هذه الأشياء هو الإحساس بأنه المتفرد بالانتماء للحق وما عداه ليس كذلك،والحقيقة أن الجماعات والمسميات والشعارات ما هي إلا إطار لتنظيم العمل ولا تحمل أي دلالة على صواب الأعمال أو خطئها وإنما ما وافق السنة من أعمال فهو الصواب مناط الثواب بغض النظر عمن جاءت منه أو ما ينتمي إليه، وليس لهذا الانتماء أي أثر في قبول العمل أو رده أو في صحة العمل أو خطئه
الخلاصة أن أول خطوات العلاج هو السعي لجذب الجميع للعودة للانتماء العام للإسلام والمسلمين وتنمية مشاعر الحب في الله لكل المسلمين والسعي لإيجاد صيغ لتنمية هذا التقارب وتلك الروح هذه هي البداية الحقيقية لاتفاق الكلمة وتوحيد الصفوف ودعك من التنظيرات والتعقيدات والضوابط واللوائح فإن القلوب لا تجمعها اللوائح .