بقلم فضيلة الشيخ: أسامة حافظ
– ” يا عماه ” إخترقت تلك الصرخة غبار المعركة المحتدمة فى كربلاء لتخترق أذن الإمام الحسين وهو يقاتل وحده جيش يزيد ..فاندفع كالأسد الجريح يدفع عن ابن أخيه عواديه ويحمله جريحاً بين يديه ودماء الغلام تسيل على صدر عمه وينظر الحسين إليه ويقول عبارته الخالدة :
– ” عزيز على يا ابن أخى أن تدعونى فلا أجيبك ، أو أن أجيبك فلا أنفعك فى يوم عز والله ناصروه وكثر واتروه ” . ولا زالت عبارة الحسين رضى الله عنه شهيد كربلاء تستدعى دموع المحبين كلما ألمت بقلوبهم ذكراه وتستمطر اللعنة على من قتلوه ومن خذلوه .
– ثم ها هي عبارة الحسين رضى الله عنه تعود إلى ذاكرتى وأنا أسمع صرخة الشيخ عمر تخترق جدران السجن وتعبر حدود الغربة لتخترق آذاننا وتصكها صكاً ” يا غوثاه ” ولكنها لا تجد أذناً تسمع ولا عيناً تدمع ولا يداً تدفع .
– لك الله يا شيخنا فى سجنك البعيد وقد تكالبت عليك العوادى ولا تملك لها دفعاً .
– لك الله ..هذا اللسان المعطر بذكر الله وتلاوة كتابه والذى ما سمعنا منه إلا كلمة الحق ولا نطق إلا بصدقه … غابت الكلمة منه إلا من صوت الأنين وصيحات الألم.
– لك الله… وهذه الأرجل التى طالما طوفت فى البلاد طولاً وعرضاً تدعو إلى الله وتستعذب المشقة فى سبيله فما كلت وما وهنت هاهى قد قعدت وضاق الفضاء بها وضاقت عنه وصدته جدرانها أن يروح ويغدو .
– لك الله … وهذا القلب الثابت الجسور الذى ما عرف الوهن طريقاً إليه وما ضاقت همته بأعباء الدنيا بأسرها تكالبت عليه الأهوال والبلايا حتى فاض بألمه وطف بحزنه وخرجت كلماته : ” أنا فى كربٍ عظيم ” .
– يا الله … هذا الجبل الأشم.. ما سمعنا ألمه من قبل ولا اشتكى قلبه ولا جسده شدة عاناها. ها هى أصوات آلامه تخترق آذاننا ..لا بد أن الأمر شديد .
– أنت الذي عذرك الله فأبيت أن تعتذر… ووضعتنا جميعاً فى قفص الإتهام ومرارة التقصير .
– عزيز علينا أن تدعونا بعد طول الصبر وسنين المعاناة فيقعدنا العجز أن نجيبك ويخرسنا الوهن أن نلبيك.
– عزيز علينا أن نسمع أناتك وتقلقنا آهاتك فيغل أيدينا الضعف والقهر أن نواسيك فى محنتك أو نداوى جراحك فى وحدتك .حتى الدعاء ” إننى أشعر أن دعواتكم لا تصل إلى ” حتى الدعاء بخلنا به عليك وقصرنا فيه .
– كم أعطيت من جهدك وعلمك وصحتك وكم أفضت بهم على دعوتك وتلاميذك ومحبيك ومريديك ….. أين هؤلاء جميعاً… أين صوتهم أو حتى دعاؤهم… ولكن الشيخ لا بواكى له .
– أتذكر هذه العبارة لقد قالها صلى الله عليه وسلم لما سمع بكاء نساء الأنصار على قتلاهن بينما وقف على جثة عمه حمزة أسد الله وأسد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد بقرت وليكت كبده وقطعت أنفه وأذنه ولا يبكى عليه أحد فاستعبر وقال : ” ولكن حمزة لا بواكى له ” هو نفس المشهد ونحن نسمع صرختك وأنينك ونسمع كل يبكى على ليلاه ولا نسمع صدىً لمعين أو نرى دمعةً لحزين فنقولها ، ولكن نساء الانصار بكين حمزة بعد ذلك وأنت فى وحشتك وغربتك وسجنك ومرضك وعجزك لا بواكى لك .
لك الله يا شيخنا
– وأنت في وحدتك بين أعداء كثر فجر طغاة لا يرقبون فيك إلاً ولا ذمة قد تكالبوا عليك ، وأحبابك قلة أعجزهم الضعف عن نصرتك وأخرسهم القهر عن مواساتك فصارت الغربة فيك غربتين والوحشة وحشتين .
– لم يبق في قوسنا منزع نلجأ إليه فى عونك ولا فى مواساتك .
– ولم يعد هناك من سيبل وقد استنفذت السبل جميعاً وليس ثم إلا الدعاء لك وأبواب السماء لا تغلق دون دعوة المظلوم المقهور المضطر.
– يا رب وأنت أحق من نأوى إليه ونلوذ ببابه .
– يا رب وأنت من يجيب المضطر ويفك العانى ويعز الذليل الذي انقطعت به السبل ويرفع الضر عن المضرور … فرج اللهم كرب شيخنا ورده إلينا سالماً غانماً معافى من كل سوء.
– يا رب رده إلى أهله ومنبره ومحبيه فما أحوجهم جميعاً إليه، وأنت أعلم به وبهم.
– يا رب ادفع عنه عواديه من البشر وهم عندك أحقر وأهون من جناح بعوضة وادفع عنه عادية المرض وأنت المعافى من كل سوء. وادفع عنه عادية الوهن وأنت من يشد العزمات ويعلى الهمم .
– يا رب اكتب له ما ابتلى به فى ميزان حسناته واكشفه وعافه بعافيتك التى وسعت كل شئ فى دينه ودنياه إنك على كل شيء قدير وبالإجابة جدير