فضيلة الشيخ: أسامة حافظ
هذه القاعدة تشيع بين شباب الحركة الاسلامية حتي صارت عندهم من المسلمات ويطبقونها بأن يروا أحدا قد أتي عملا اعتبروه كفريا فسرعان مايحكمون بكفره ثم يرون كل من لم يشاركهم في تكفيره مثله في الكفر .. وقد تداول التكفيريون هذه القاعدة وكفروا بها المجتمع كله لأنه لم يشاركهم في تكفير من يرونه كافرا .
ومناقشة هذا الكلام تستلزم أن نسأل أولا ماهو الكفر المخرج من الملة ؟
الكفر له أنواع ثلاثة
الأول كفر عقدي كأن يعتقد أن لله شريك أو أن للكون خالق غير الله أو معه أو أن يجحد شيئا من صفات الله التي وصف بها نفسه أو أن يظن أن لله شفعاء يملكون تغيير حكم الله في السموات أو الأرض أو مثل ذلك
الثاني : كفر متعلق بالعبادة وهو أن يتوجه بالعبادة والنسك إلي غير الله أو مع الله كالدعاء والصلاة و النذر وغيرها
الثالث : كفر التحليل والتحريم أو كفر الاحتكام لغير الله أو التشريع من دونه ونعني به أن يأتي بشرع من عنده علي خلاف الشرع الشريف معتقدا أنه أفضل من حكم الله أو مساويا له أو انه من شرع الله المنزل وهو ليس كذلك
هذه هي الصور الثلاثة للكفر ويتفرع منها تفاصيل في هذا المعني .. فمن أطلق القول بكفر فاعلها علي العموم فلا حرج عليه
أما تنزيل هذا الحكم علي الأشخاص فهو شئ آخر يستلزم التحقق من توافر سبب الحكم بالكفر والشروط الواجب توافرها فيمن أتي بالعمل الكفري والموانع التي يجب غيابها عند الفعل حتي يحكم عليه هذا الحكم
فمن أتي بعمل كفري ظاهر مقطوع به فقد أتي بالسبب الموجب للحكم بكفره فلايجوز الحكم علي بواطن الناس غير الظاهر ولايجوز الحكم بالكفر في الأمور التي اختلف أهل العلم في تكفير فاعلها … ثم لابد من التحقق من أن صاحبها قد فعل ذلك قاصدا عالما مختارا وهذا شرط الحكم عليه ولايصح الحكم بالكفر علي من أتي عملا كفريا وهو مفتقد لهذه الشروط كالمخطئ والساهي والمكره وأمثالهم…. ثم لابد من التحقق من انتفاء الموانع التي تمنع من إطلاق الحكم عليه مثل الجنون والعته والاكراه
ومن يقوم بالتحقق من هذه الثلاثة ينبغي أن يكون عالما بمسائل الكفر والإيمان وعوارض الأهلية وغيرها من المسائل ليتسني له محاورة الفاعل والتحقق من توافر ما ذكرنا ….. فإن فعل فهو المنوط به إطلاق حكم الكفر عليه
في الموضوع مسألة أخري مهمة وهي أن القول بأن من سجد لصنم أو جعل لله شريكا فهو كافر فهذه مسألة عقائدية أما تنزيل ذلك علي الأفراد فهي مسألة من فروع الفقه إذ أن فاعلها لاينكر القاعدة العقدية الحاكمة في المسألة وإنما هو يتحقق من توافر الأسباب والشروط وانتفاء الموانع وهو مايسميه الأصوليون تحقيق المناط وهي مسأله للاجتهاد فيها والاختلاف مجال .. وعليه فلايلام المخالف في تحقيقها ولايوصم بما يشين عقيدته ولايطالب بها إلا أهل العلم القادرون علي تحقيقها ولايلام فيها من لايبدي رأيا ولاينكر علي من يتوقف فيها
بقي السؤال وماذا عن تلك القاعدة ” من لم يكفر الكافر فهو كافر ” ؟
هذه القاعدة و بهذا التفسير الذي صدرنا به الحديث لم أر أحدا من أهل العلم قال به ولم أجد معناه عند أحد ممن قرأت لهم في هذا الباب
ويكون التطبيق سليما لو قلنا أن الكافر الذي يذكره القرآن مثل فرعون أو تذكره السنة مثل أبي جهل من لايكفره فهو كافر لأنه يكذب بصريح القرآن ومتواتر السنة
ويكون سليما أيضا لو أنه وصف به جنس أهل الكفر دون أعيانهم كمن يقول من سجد لصنم فهو كافر ومن لم يقل بكفر الساجدين للأصنام فهو كافر هكذا علي العموم لاعلي الأشخاص
أما التنزيل علي الأشخاص حتي بعد التحقق من استحقاقهم إطلاق هذا الوصف عليهم بطرقنا البشرية فلا يوصم من لايوافق فاعله في الحكم عليه بشئ في عقيدته إذ تنزيل الحكم اجتهاد بشري ظني يختلف فيه الناس وليس من مسائل العقيدة