من سلسلة: “الجهاد الحقيقة الغائبة“الجزء الثاني
بقلم: الدكتور عصام دربالة
الحلقة الثانية: أخطاء الممارسة الجهادية “الأسباب”
يرى المؤلف أن البحث عن أسباب ظهور وتكرار الأخطاء أمر يهم الجميع دون استثناء سواء داخل الحركات الإسلامية أو خارجها, ويدعو الجميع للبحث عن تلك الأسباب بشكل يتسم بالشمول والموضوعية والعمق في آن واحد.
ويحذر من تبني رؤية جزئية في تفسير هذه الظاهرة لأنها لن تكون محلًا للثقة من الكثيرين, ولهذا لا يوافق المؤلف على ما اعتاده البعض عند تناول هذه القضيه من تحميل الحركات الجهادية المسئولية الكاملة عن تلك الأخطاء, وجعل أسباب حدوثها من نصيبها دون غيرها لأن مثل هذا التحميل يجافي الموضوعية والحقيقة في آن واحد.
فالحقيقة أن مثل هذه الظاهرة هي صناعة مشتركة بين تلك الحركات وغيرها, وانطلاقًا من هذه القناعة سيأتي تصنيفها للأسباب التي تقف وراء ظاهرة تكرار وتنوع الأخطاء مقسمًا إلى قسمين:
القسم الأول: الأسباب النابعة من داخل الحركات الإسلامية:
يذكر المؤلف أسباب عديدة تقف وراء تلك الظاهرة وأهمها:
غلبة النوازع السلبية على قرارات بعض الأفراد أو القادة أو الحركات؛ مثل قيام البعض بعمليات عسكرية قتالية لا لشيء إلا لإثبات الوجود ولمنافسة غيرها من الحركات.
الخلط لدى البعض بين الوسائل والغايات, وإهدار فقه الأولويات والموازنات بين المصالح والمفاسد.
القصور في البنيان العلمي داخل الحركة الإسلامية.
اغتصاب البعض لغير المؤهلين لدور المجتهدين.
اضمحلال الوعي بالواقع ومعطياته ومستجداته.
التعامل الخاطيء مع أقوال الفقهاء في كتب الفقه وتنزيلها على واقع مختلف عن واقعهم.
الافتقار لآلية صحيحة ومنضبطة لاتخاذ القرار في كثير من المواقع داخل العمل الإسلامي مما ينتج قرارات فردية أحيانًا.
عدم وجود آليات فعّالة وواضحة لمحاسبة المخطئين.
ضعف القدرات القيادية لدى بعض المسئولين والتأثر بضغوط الأفراد والشعارات الحماسية.
عدم اعتراف بعض الحركات بأخطائها ومن ثم عدم السعي لتصحيحها.
عدم الاستفادة بخبرات الحركات الإسلامية ذات التجربة.
حرص بعض الحركات على تبرئة الذات من أي أخطاء والدفاع عن كل قراراتها ومواقفها سواء كانت صحيحة أم خاطئة.
الفهم المغلوط لقضية المراجعة وتوهم أن مثل هذه المراجعة تمثل تهديدًا للحركة أو تؤدي لانقضاض أفرادها.
غلبة العنصر الشبابي بخياراته الحماسية وقلة خبراته.
الميل للعمل السري وما يصحبه من تكتم على الخطأ بدعوى السرية.
الأخطاء في التفكير أو تقدير قدرات الذات والغير.
عدم الالمام بأصول وقواعد السياسة الشرعية بما تتضمنه من خيارات عديدة لمواجهة متغيرات الواقع.
هذه هي أهم الأسباب من وجهة نظرنا التي تنبع من داخل الحركات الإسلامية وتسهم في ظهور الأخطاء أثناء الممارسة الجهاية, ولكن ينبغي التنبيه على أنه ليس معني ما سبق أن كل الحركات الإسلاميه يوجد بها مثل هذا القصور جملة واحدة, فهذا أمر يجافي الحقيقة والواقع, والإنصاف يقتضي منا القول بأن بعض هذه الأسباب قد تتحملها حركة ما بينما تتحمل حركة أخرى المسئولية عن بعض الأسباب الاخرى.
كما ينبغي القول أن تحمل بعض الحركات المسئولية عن هذه الأخطاء لا ينبغي أن يفهم على أنه وصم لكل أعمالها وعطاءاتها في مجالات العمل الإسلامي المتنوع بالخطأ.. فالعدل والإنصاف يأبيان ذلك القول:
من ذا الذي ماساء قط ومن له الحسنى فقط
القسم الثاني:
الأسباب النابعة من الظروف المحيطة دوليًا ومحليًا.
ينتقل المؤلف لذكر تلك الأسباب مشيرًا إلى أنه سيذكر أهم هذه الأسباب التي تمثل قاسمًا مشتركًا بعيدًا عن استقصاء الأسباب التي قد تظهر في مكان دون آخر, ويمكن تلخيصها في الآتي:
سياسات الضغط والإقصاء للتيار الإسلامي على المستوى المحلي:
في أكثر من قطر من الأقطار الإسلامية تتعرض كل أو بعض فصائل التيار الإسلامي إلى سياسات ضاغطة تتراوح في شدتها وقسوتها من مكان لآخر وإن جمعتها فلسفة واحدة تسعى لإقصاء هذا التيار عن صياغة حاضر ومستقبل مجتمعاته.
وقد يقدر البعض أن هذا السبب يصلح لتفسير اشتعال المواجهات دون الوقوع في الأخطاء, وهذا تقدير في غير محله, لأن إحساس أبناء هذا التيار بالإقصاء مع السماح لتيارات أخرى معادية للدين بالوجود وحرية الحركة يترجم عادة إلى أن هذا موقف معادي للدين ذاته, فإذا أضيف إلى ذلك ما يمارس من أساليب ضاغطة على مستويات مختلفة على المنتسبين لهذا التيار الإسلامي فإن النتيجة المتوقعة هي الاندفاع المضاد وفقًا لنظرية الفعل ورد الفعل وهو غالبًا ما يأتي مشبعًا بالأخطاء في الأحكام والحسابات.
ولنستعرض من واقع أمتنا بعض النماذج التي تبين مثل هذا الإرتباط وتؤكده:
النموذج الأول: ما انتهجته الجماعة الإسلامية المسلحة بالجزائر من قصد الأطفال والنساء بالقتل خاصة أبناء وزوجات العاملين بالدرك والجيش الجزائري وذلك للانتقام والثأر لزوجات أعضاء الجماعة اللاتي تعرضن للتعذيب على أيدي جنود الدرك والجيش الجزائري.
وهكذا انحرفت الجماعة المسلحة بالجزائر عن صحيح الدين وخالفت بفعلها هذا إجماع علماء المسلمين, ولكن عندما ننظر في الواقع الذي دفعهم إلى هذا الاختيار نجده تلك السياسة الجائرة التي استهدفت نساء المنتسبين لهذه الجماعة.
النموذج الثاني: ما اتبع في أوقات سابقة من سياسة تمديد اعتقال القادة من التيار الإسلامي لفترات ممتدة مما دفع إلي تبوء بعض الأفراد قليلي الخبرة والمعرفة الشرعية مواقع المسئولية بدلًا من هؤلاء القادة المعتقلين فجاء تعاملهم مع الأحداث منطويًا على الخطأ لغياب الخبرة والانضباط الشرعي.
النموذج الثالث: ظهور التيار التكفيري في مصر جراء سياسة التعذيب التي اتبعت في حقبة الستينات من القرن الماضي في السجون الناصرية.
واستمرار سياسة الضغط والإقصاء يدفع بلا شك هذه الفصائل إلى دخول عالم العمل السري وما يوفره هذا العالم من بيئة مواتية لتوليد الأخطاء وتزايد الأخطاء.
عدم تطبيق الشريعة الإسلامية:
الناظر في المواجهات التي دارت رحاها في أكثر من قطر من أقطار أمتنا الإسلامية يجد أن قضية تطبيق الشريعة الإسلامية كانت حاضرة بصورة أو بأخرى.
فهناك تأكيد مستمر من بعض الأنظمة على أن هناك أعذار تحول دون هذا التطبيق, والبعض الآخر منها يرى أن الشريعة الإسلامية مطبقة جملة وتفصيلًا, وفي المقابل هناك قناعة سائدة لدى العديد من الفصائل الإسلامية بأن هذه الأعذار لا تبرر إغفال تطبيق الشريعة, كما أن القول بتطبيق الشريعة أمر يجافي الواقع والحقيقة.
ومع عدم إقدام الحركات الإسلامية على طرح تصوراتها لكيفية تطبيق الشريعة في ظل الدولة العصرية, وإحجام النظم عن القيام بهذا الدور, تستمر عجلة المواجهات في الدوران حاملة معها أخطاء متناثرة هنا وهناك.
تحريض التطرف الإلحادي على كل ما هو إسلامي:
في ظل هامش الحرية المسموح به داخل بعض الأقطار الإسلامية يمكن رصد استفحال ظاهرة الهجوم والتحريض السافر على كل ما هو إسلامي من بعض التيارات الإلحادية.
فقد عمدت هذه التيارات إلى تحريض الحكومات على البطش بالتيار الإسلامي تحت مزاعم شتى, وكثيرًا ما شككت في بعض الثوابت الدينية دون أن يطرف لها جفن.
ومن الطبيعي أن نجد -والحال كذلك- أحكامًا قاسية تصدر من بعض فصائل التيار الإسلامي ليس على هذه التيارات الإلحادية فحسب ولكن الأمر يمتد إلى المجتمعات بأثرها حيث توصم بالكفر والجاهلية, ونلاحظ أنه كلما زاد جموح هذه التيارات الإلحادية في تعديها علي الثوابت الإسلامية إزداد الجنوح لدى الطرف المقابل مما يولد المزيد من الأخطاء خاصة مع تزايد رقعة الفساد والإباحيه داخل هذه المجتمعات.
عدم الثقة في المؤسسات الدينية الرسمية:
نتيجة لأسباب كثيرة عديدة -ليس هذا مقام بيانها – نجد أن هناك ثقة مفقودة بين الشباب المسلم خاصة وممثلي المؤسسات الإسلامية الرسمية, وافتقاد هذه الثقة يؤدي إلى إغلاق باب من أبواب الحوار الخلاق الذي يجب أن يتم بين الشباب المسلم وشريحة أساسية وهامة من علماء الدين وهذا إذا ما تم في ظل وجود ثقة حقيقية بين الطرفين سيؤدي إلى ترشيد المواقف والأعمال, ويمثل سياجًا مانعًا أمام وقوع المزيد من الأخطاء, لكن المشكلة الحقيقية في ظل الثقة المفقودة في المؤسسات الدينية وعلمائها هي أن استقاء الفتاوى الشرعية المنظمة لأخطر القضايا الجهادية سيتجه إلى آخرين ربما لايملكون الأهلية الشرعية اللازمة لإبداء الرأي الشرعي الصحيح مما يؤدي إلى وقوع المزيد من الأخطاء, وجدير بالذكر أن استعادة الثقة المفقودة مسألة هامة, لكن يجب التنبه إلى أنها لا تتم بقرار وزاري أو بإلزام قانوني, فالأمر يحتاج إلى ما هو أكثر بكثير من هذا.
السياسات الدولية المعادية للإسلام:
بعد انتهاء الحرب الباردة وتفرد الولايات المتحدة الأمريكية بمركز القطب الأوحد بدأت وقائع أحكام الحصار على كل ما هو إسلامي في التزايد المطرد حتى بلغ قمته عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 للسيطرة على مراكز الثقل الاستراتيجي في العالم, واستئصال ما أسموه الخطر الإسلامي على الحضارة الغربية, وجاءت الهجمة الشرسة في ممارسة أمريكا لسياسة الكيل بمكيالين في القضايا المتعلقه بالعالم الإسلامي, مما أوجد حالة عداء متزايدة ضد هذه التوجهات المعادية للإسلام دينًا وشعوبًا, ومن هنا بدأت ردود الأفعال ضد هذه السياسة الجائرة وحملات التشويه المتعمدة للإسلام تنحو مناحي شتى, قد لا تعبر بالضرورة عن الموقف الصحيح للإسلام تجاه الآخر.
تلك كانت إشارة سريعة موجزة لأهم الأسباب التي نعتقد أنها تسهم في تفسير ظاهرة تكرار وتنوع الأخطاء أثناء الممارسة الجهادية, ونحن لا ندعي أننا قد استقصيناها في هذا المقام, ولكن الذي يمكن أن ندعيه هو أننا بما ذكرنا وضعنا قطار البحث عنها على القضبان, وإن كان الأمر يحتاج إلى مزيد من جهد المخلصين المحبين لهذا الدين سواء لاستقصاء باقي الأسباب أو تقديم روشتة العلاج.
وبعد هذا التشخيص للأسباب ينتقل المؤلف إلى طرح روشتة العلاج من وجهة نظره.. فتحت عنوان:
أخطاء الممارسة الجهادية “سبل العلاج”
يقول المؤلف: فالبحث عن علاج ناجع لهذه المسألة ينبغي أن تساهم في تقديمه كل الأطراف التي تتحمل المسئولية عن نشوء هذه الظاهرة, وتخاذل أي طرف من هذه الأطراف المعنية عن القيام بدوره ومسئوليته لا يعني سوى تقديم علاج فاقد الصلاحية أو ضعيف المفعول لايصلح إلا كمسكن للأعراض فحسب.
فالعلاج لتلك الأخطاء ليس مسئولية الحركات الإسلامية الجهادية فحسب, بل يشاركها في البحث عنه وتقديمه والأخذ به غيرها من الحركات والحكومات.
وأحسب أن سبل العلاج تمر عبر معلمين أساسيين:
أولًا: الالتزام بفضيلة المراجعة المثمرة.
ثانيًا: علاج الأسباب التي تقف وراء حدوث تلك الأخطاء.
ثم يشرع المؤلف في بيان كل معلم منهما, فيقول عن المعلم الأول من سبل العلاج وهو الالتزام بفضيلة المراجعة المثمرة:
لا يختلف أحد على أهمية مراجعة الآخرين لأحوالهم وأعمالهم, ولكن عندما يتعلق الأمر بذواتهم يسود لديهم منطق: ليس في الإمكان أبدع مما كان, وهذا أمر نشاهده اليوم على كل المستويات, فالحركات الإسلامية تطالب حكوماتها بمراجعة سياسات البطش بها والإقصاء لها عن المشاركة في صياغة حاضر ومستقبل مجتمعاتها بينما تتلكأ هي في القيام بمراجعة أعمالها واستراتيجياتها.
والحكومات في البلدان الإسلامية لا تمل من مطالبة الحركات الإسلامية بضرورة مراجعة أعمالها واستدراك أخطائها, بينما لا يفكر في مراجعة سياساتها تجاه تلك الحركات.
وعلى المستوى العالمي نجد الولايات المتحدة الأمريكية تسعى عبر الترغيب والترهيب لحمل الدول والحركات على مراجعة مواقفها وسياساتها بما يتفق مع الهوى الأمريكي وفي نفس الوقت لا تفكر في مراجعة مواقفها من قضايا أمتنا لتصير أكثر عدلًا وإنصافًا بعيدًا عن سياسة الكيل بمكيالين والانحياز الأعمى لكل ما هو إسرائيلي.
ولذلك فإن كل المساهمين في صناعة الأخطاء في الممارسة الجهادية مدعوون إلى ممارسة فضيلة المراجعة إذا ما أرادوا علاجًا ناجحًا لها. وإذا كان الأمر كذلك فإن الحركة الإسلامية اليوم مدعوة أكثر من غيرها للالتزام بهذه الفضيلة, ولا يعقل أن تطالب تلك الحركات حكوماتها بمراجعة سياساتها ثم تنكص هي عن القيام بها.
وإذا كانت الحركات الإسلاميه لا تملك حمل الآخرين على القيام بتلك المراجعات فعليها القيام بواجبها في هذا الصدد بغض النظر عن قيام الآخرين بذلك الواجب أو النكوص عنه, لأن بداية علاج هذه الاخطاء لا بد أن تبدأ عبر تلك المراجعة.
ولكن: أي مراجعة نقصد؟ أهي المراجعة التبريرية أم الموضوعية؟
أنبحث عن المراجعة التي تدمر أم التي تنصح وتبني؟ أنرغب في المراجعة الجائرة أم المقسطة؟ أنود الوصول إلى المراجعة التي تسحق صحيح الدين أم التي تثري الإسلام وتنفع المسلمين؟
لا شك أننا في مراجعتنا لقضايا الجهاد نحتاج إلى المراجعة المثمرة دون غيرها.
والمراجعة المثمرة التي نقصدها هي تلك التي تكشف الحسنات والسيئات وتميز بين الخطأ والصواب وتزن الأمور بميزان العدل والإنصاف, وتفتح الطريق أمام الركب ليسير على هدى وبصيرة بعد التقويم والتصحيح.
والمراجعة الصحيحة يمكن تحقيقها عبر عدد من الخطوات نوجزها في الآتي:
الاعتراف بإمكانية وقوع الخطأ.
القناعة بخطورة إهمال تصحيح الأخطاء.
التنبه للعوائق التي تعوق عملية المراجعة ومواجهتها.
الالتزام بسمات المراجعة المثمرة عند القيام بها.
اتصاف القائمين بها بأخلاقيات المراجعة المثمرة.
وينبه المؤلف كل من يقوم بهذه المراجعة المثمرة إلى توقع حدوث رفض لها من هنا أو هناك, ويطالبهم بألا يتأثروا بمثل هذا الرفض ويدعوهم للاستمرار على الضرب فيقول:
“إذا كان ما سبق إشارة إلى الخطوات التي تمر بها المراجعة كي تصير حقيقية مثمرة فيجب أن نتوقع ألا تمر هذه المراجعة بدون عوائق أو رفض من هنا أوهناك, أو سوء فهم لها عن عمد أو جهل, فهذا أمر طبيعي يتواكب ظهوره مع تغيير ينجم عن مثل هذه المراجعة”.
ويضيف قائلًا:
ولعل هذا يذكرنا بقول البعض عندما أطلقنا مبادرة وقف الأعمال القتالية في 5 يوليو 1997 لو كانوا على خطأ فيما مضى فماذا يمنع أن يكونوا على خطأ فيا يقولونه الآن في مبادرتهم؟
وهذ القول وأمثاله لهو من عوائق المراجعة, فهو يحمل منطقًا هشًاولكن قد تخفى هشاشته على البعض فيظن أنه صلب متماسك, ولو أمعن أي إنسان النظر فيه لعلم أن هذا القول يحمل في ثناياه دليل فساده, وبيان ذلك من وجوه عدة:
الوجه الأول: أن صاحب هذا القول إما أن يكون قد أخطأ من قبل أو لا؟ فإن نفى الخطأ عن نفسه طوال عمره فقد ادعى دعوة واضحة الكذب بادعائه عصمة ليست من خصال البشر, وإن أقر بوقوعه في الخطأ لقلنا له بنفس منطقه: ما دمت قد أخطأت من قبل فما الذي يضمن لنا أن قولك هذا عن المبادرة ورفضك لها ليس أيضًا من الخطأ؟
الوجه الثاني: أن هذا القول يعني أن نرفض كل تراث العلماء والفقهاء الذين كثيرًا ما راجعوا أنفسهم في بعض الآراء وانتقلوا عنها إلى غيرها, معترفين بخطئهم فيها, وذلك لمجرد أننا لا نأمن أن يكونوا قد انتقلوا من خطأ إلى خطأ.
والواجب على كل من يريد أن يقيّم تلك المراجعات أن ينأى بنفسه عن هذه السفسطة وليجعل لنفسه ميزانًا عادلًا يزن به تلك المراجعات, وهذا الميزان هو ميزان القرآن والسنه.
والواجب على من يقومون بالمراجعات ألا يعبأوا كثيرًا بمثل هذه الأقوال, فهي كما قال الشاعر:
هل صح قول من الحاكي فنقبله أم كل ذاك أباطيل وأسمار
أما العقول فقالت أنه كذب والعقل غرس له في الصدق إثمار
وهي كما قال الشاعر:
أحلام ليلٍ أو كظلٍ زائل أن اللبيب بمثلها لا يخدع
المعلم الثاني من سبل العلاج:
ينتقل المؤلف إلى ذكر المعلم الثاني من معالم علاج ظاهرة تكرار الأخطاء في الممارسة الجهادية وهو:
معالجة الأسباب التي تقف وراء حدوث الأخطاء فيقول: “.. إن هناك أمورًا مطلوبة من الحركة الإسلامية القيام بها, وأيضًا هناك أمور على الآخرين تقديمها, وأن العلاج الأمثل لهذه الظاهرة لن يتأتي إلا بكامل هذه الأمور وتضافر كافة الجهود..
وبناء على يمكن تلخيص علاج هذه الأسباب على النحو التالي: