القائمة إغلاق

الفرق بين الثبات على الحق والثبات على الرأى (3)

بقلم: الشيخ علي محمد الشريف

أصبحت السياسة علما هاما يدرس فى الجامعات ، وتحضر فيها درجات الماجستير والدكتوراة ، وقد استفاد أعداؤنا من هذا العلم الخطير ، لكن كثيرا منا لم يدرس شيئا عن هذا العلم الهام ، بل بعضنا يدعى أن السياسة نجاسة ، ولا ينبغى للمؤمن أن يدرسها فضلا عن أن يطبقها ، وجنينا من ذلك مصائب جمة ، وهزائم متتالية ، والله سبحانه وتعالى أجرى أمور الدنيا على الأسباب ، فمن أخذ بأسباب النجاح نجح ، مسلما كان أو كافرا ، ومن أخذ بأسباب الفشل فشل ، مسلما كان أو كافرا ، انظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم – وهو المؤيد بالله – كيف كان يعمل بالسياسة الشرعية ، ولم يكن ساذجا في أفعاله ، فإنه كان إذا أراد غزوة وبدأ في تجميع قواته ورى بغيرها، فإذا أراد القتال شمال المدينة المنورة سأل عن الأعداء في جنوبها، حتى يخدع الجواسيس، ويفاجئ الأعداء بالهجوم، ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم : الحرب خدعة، ولما أسلم نعيم بن مسعود فى غزوة الأحزاب أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله إني أسلمت، وإن قومي لم يعلموا بإسلامي، فمرني بما شئت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنما أنت رجل واحد ، فخذل عنا إن استطعت ، فإن الحرب خدعة ، وفعلا خذل نعيم بن مسعود بين يهود بنى قريظة وبين المشركين ، حتى أبت قريظة أن تقاتل مع المشركين وتفرق جمعهم ، ألم يخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن الكذب على الأعداء جائز ، ولما طاف كعب بن الأشرف اليهودي على قبائل المشركين يحرضهم على قتال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتله ، فانبرى محمد بن مسلمة لاغتياله ، واحتاج في خطة الاغتيال أن يتحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بسوء ليخدع عدو الله كعب بن أشرف ، فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقول ، وفعلا قال له كلاما يوحى بأنه يذم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى اطمأن إليه كعب بن الأشرف فقتله محمد بن مسلمة ، وبعد انتصار المسلمين فى غزوة خيبر ، قال الحجاج بن علاط السلمى : يا رسول الله ، إن لى بمكة مالا متفرقا فى تجار مكة ، فأذن لى يا رسول الله أن أذهب إلى مكة لجمعه ، فأذن له ، ثم قال ولا بد لى أن أقول – أى فى حقك كلاما سيئا – فقال له : قل ، ولم تكن قريش قد علمت بإسلامه ، فذهب إلى مكة وأخبرهم أن محمدا قد هزم وأسر وقتل أصحابه ، ففرح أهل مكة بذلك فرحا شديدا ، ثم طلب منهم أن يعينوه فى جمع ماله ، فجمعوه له ، وأخذ ماله ، وعاد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ألم يمتنع رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل عدو الله رأس المنافقين عبد الله ابن سلول حتى لا يقال : إن محمدا يقتل أصحابه ، ألم يمتنع رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هدم الكعبة وبنائها على قواعد إبراهيم ، خوفا من أن تحدث فتنة بين العرب ، لأن بعضهم كان جديد عهد بإسلام ، ولو أردت أن استقصى استخدام الرسول صلى الله عليه وسلم للسياسة الشرعية لطال بنا المقام ، فأرجوا أن نتعلم السياسة والإدارة حتى نكون جديرين بالتمكين لهذا الدين العظيم ، وللحديث بقية إن شاء الله .

التعليقات

موضوعات ذات صلة