بعض من بنات المسلمين بدأن يعتزلن دور العلم بدعاوى كثيرة ادعوها وأسندوها للدين، ومفاسد تصوروها وفضلوا اجتنابها استهانة منهن بأهمية التعليم وتقليلاً من شأنه فأردت أن أعرض على عجالة لموقف الإسلام من هذه القضية طمعاً في أن يغيرن رأيهن ويعلمن أهمية القضية في ديننا.
يقول ابن حزم : “ويجب عليهن النفار للتفقه في الدين كوجوبه على الرجال وفرض عليهن كلهن معرفة أحكام الطهارة والصلاة والصيام وما يحل وما يحرم …… ويضيف ويكون ذلك إما بأنفسهن وإما بالإباحة لهن لقاء من يعلمهن وفرض على الإمام أن يأخذ بذلك” الأحكام 1/ 413.
فما وجب من العلم على الرجال وجب على النساء والواجب كما يقول ابن حزم أن يتعلمن أو يبيح لهن المجتمع الوصول إلي سبيل التعلم ومعلميه ويلزم أن يأخذهن الإمام بذلك أن قصرن. وقد أمر النبي صلي الله عليه وسلم النساء بشهود مجامع الخير كما روى البخاري.
وقد كانت السيدة عائشة أنموذجاً عالياً في العلم والتعليم قال الذهبي “روت عنه صلي الله عليه وسلم علما كثيراً طيباً مباركاً فيه وعن أبيها وعن عمر وفاطمة وسعد و ……….. خلق كثير وقال: ولا أعلم في امة محمد- صلي الله عليه وسلم- ولا في النساء مطلقاً امرأة أعلم منها. وذهب بعض العلماء إلي أنها أفضل من أبيها” سير أعلام النبلاء 2 / 140 هل تصدق أن هناك من يقول أن عائشة كانت أفضل من أبي بكر علماً. قال أبو موسي الأشعري “ما أشكل علينا أصحاب رسول الله – صلي الله عليه وسلم – حديث قط فسألنا عائشة ألا وجدنا عندها منه علماً” الترمذي حسن صحيح.
حيث أن أصحاب النبي- صلي الله عليه وسلم – كانوا يسألونها في معضلات مسائل الفرائض فتجيبهم كما قال مسروق في رواية الدارمى.
ويقول فيها الزهري “لو جمع علم الناس كلهم وأمهات المؤمنين لكانت عائشة أوسعهم علماً” المستدرك وقدمها ابن حزم عن سائر الصحابة في كثره الإفتاء وهي في علمها لم تقتصر على علوم الدين كما يبدو لك وإنما كانت مبرزه في علوم عصرها فقد كانت وحيدة عصرها في علوم الطب والشعر أيضاً كما ذكر ابن عبد البر في الاستيعاب 4 / 1881 وكما قال أبو زناد “ما رأيت أحدا أروي للشعر من عروة قيل له ما أدراك قال ما روايتي في رواية عائشة“
وفي تاريخنا نماذج متميزة من النساء اللاتي اشتهرن بالعلم والتعليم.
فقد ترجم محمد بن سعد في طبقاته لنيف وسبعين امرأة روين عن رسول الله – صلي الله عليه وسلم – وروي عنهم. وكان على ابن أبي طالب يتلقي علما عن مولاة لرسول الله- صلي الله عليه وسلم – تقوم علي خدمته.
وكان من شيوخ ابن عساكر بضع وثمانون امرأة في الجزء الشرقي من أمه الإسلام.
وكان من شيوخ الفراهيدى قرابة السبعين امرأة.
وشهد السيوطي مجالس حافلة قرأ فيها علي بعض المحدثات الحافظات الفقيهات. وكان منهن أستاذات للشافعي والبخاري وابن خلقان وابن حبان وكن يجالسن العلماء فيعلموهن ويتعلمون منهم، تقول أم الدرداء فيما ذكره الذهبي عنها في سير أعلام النبلاء “لقد طلبت العبادة في كل شيء فما أصبت لنفسي شيئاً أشفي من مجالسة العلماء ومذاكرتهم“
ورغم وجود الوضاعين والمتروكين في الرجال إلا أن الحافظ الذهبي يقول في النساء “وما علمت من النساء من اتهمت ولا من تركوها” ميزان الاعتدال 4/604 .
هذه نماذج سريعة لحرص النساء على التعلم ونشر العلم واهتمامهن به وكيف أن طلبه فريضة عليهن كالرجال ومصلحة شرعية عالية لا ينبغي تجاهلها أو إهدارها لمفاسد قد تقل في ضررها عن مصلحة إدراكه.
نعم ينبغي عليهن أن يتعلمن ولكن ينبغي في خروجهن وشهدوهم مجامع العلم أن يلتزمن بأخلاقيات الإسلام وآدابه ويلتزمن بأوامره بقدر ما تسمح لهن الأحوال ونسأل الله أن يهدينا جميعاً سواء السبيل.