القائمة إغلاق

الصحابة عدول ولو كره الجاحدون

الصحابة عدول ولو كره الجاحدون
بقلم المهندس أسامه حافظ

في زمن غاب فيه العلماء أو غيبوا .. وعدا علي مقامهم العالي همل من الجهال أو ذوي الأغراض .. فملأوا ساحة الكتابة من أخلاطهم وترهاتهم.. فلبسوا علي الناس دينهم.. وتاه الحق وسط ركام من الكذب والدجل والجهالات .
تحتاج البديهيات للمناقشة والبرهان.. وقد تفشل في وضع المسلمات في مكانها كمسلمة لتبني عليها وتبحث بداية عن إثباتها.. وقد قتلها الناس بحثا ًمنذقرون واستقرت منذ أمد .
ومن أبرز تلك المسلمات التي نعود لنتحدث فيها آسفين.. رغم أن السابقين قد أشبعوها في كتاباتهم برهانا ً حتى استقرت مسألة عدالة الصحابة .. والتي عادت جيوش الجهال وذوي الأغراض لطرحها للنقاش تشكيكا ً وتزويرا ً وجهالة جاهلين أو متجاهلين.. أنهم بتشكيكهم هذا إنما يشككون في الدين.. لأنهم حملته وناقلوه إلي الأجيال من بعدهم
بداية من هو الصحابي؟
الصحابي في الاصطلاح هو:
من لقي النبي صلي الله عليه وسلم مؤمنا ً به ومات علي إسلامه
هذا هو مذهب الجمهور من المحدثين وبعض الأصوليين .. وهو الذي استقر عليه المتأخرون منهم – يعني الأصوليون – كما حكاه عنهم الآمدي وابن الحاجب .
وقد نقلت تعريفات أخري ضيقت أو وسعت .. لكن الاختلاف ليس كبيرا ً.
فقد ذهب الكمال بن الهمام والقرافي وابن عبد البر وغيرهما إلي أن الصحابي هو ” من عاصر النبي صلي الله عليه وسلم
وذهب كثير من الأصوليون إلي أنه ” من طالت صحبته للنبي صلي الله عليه وسلم وكثرت مجالسته له علي طريق التبع له والأخذ عنه ” .
وهو مذهب أكثر الأصوليين كما نقله الكمال بن الهمام وغيره.. وذهب آخرون إلي اشتراط الأخذ عنه إلي جانب طول الصحبة.. حكاه الآمدي عن بعض المعتزلة وشدد في النكير عليهم.
وقد حكي الواقدي قولا ً آخر نسبه إلي أهل العلم أنه :
من رأي النبي صلي الله عليه وسلم وقد أدرك الحلم وأسلم وعقل أمر الدين ورضيه ولو ساعة من نهار
وقد وصف الشوكاني اشتراط البلوغ بأنه قول شاذ .. لأنه يستلزم إخراج كثير ممن أجمع العلماء علي صحبتهم من سلك الصحابة مثل عبد الله بن الزبير والحسن والحسين وغيرهم .
ولا يخفي أن تعريف جمهرة أهل الحديث هو الأقوى لتوافق المعني اللغوي والشواهد الشرعية.
وهذه الاختلافات لا تضر كثيرا عند الحديث عن العدالة.. فإن ثبوتها في حق من رأي النبي صلي الله عليه وسلم يستلزم بداهة ثبوتها في حق من طالت صحبته.
أما العدالة فالصحابة كلهم عدول .. نقل الإجماع عليه كثير من العلماء.. نذكر منهم الجويني في البرهان .. والغزالي في المستصفي.. وابن قدامة في الروضة .. وابن السمعاني في القواطع.. والسخاوي في فتح المغيث.. والصنعاني في توضيح الأفكار .. وابن تيمية في فتاواه.. وابن عبد البر في الاستيعاب .. وغيرهم ممن لا يحصون من أهل العلم.
واستدلوا علي ذلك بكثير من الاستدلالات نذكر منها:
من القرآن .. قوله تعالي:
مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً…….. “
وقوله تعالي:
وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً….. “
وقوله تعالي:
لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ* وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ* وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ “.
وقوله تعالي:
وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُولَـئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَّهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ
وقوله تعالي:
لَقَد تَّابَ الله عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِّنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ
وغير ذلك كثير من النصوص القرآنية.
أما السنة فما أكثر الأحاديث الصحاح الدالة علي ذلك نسوق منها قوله صلي الله عليه وسلم :
لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه ” وهو في البخاري
وكذا قوله عند مسلم :
النجوم أمنة السماء.. فإذا ذهبت النجوم أتي السماء ما يوعد وأنا أمنة لأصحابي.. فإذا ذهبت أتي أصحابي ما يوعدون وأصحابي أمنة لأمتي.. فإذا ذهب أصحابي أتي أمتي ما يوعدون
وعند ابن حبان قوله:
الله الله في أصحابي.. لا تتخذوا أصحابي غرضا ًمن أحبهم فبحبي أحبهم.. ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم.. ومن آذاهم فقد آذاني.. ومن آذاني فقد آذي الله ، ومن آذي الله يوشك أن يأخذه
والأحاديث في ذلك كثيرة لا تحصي .. هذا فضلا ً عما نقلناه من أجماعات علماء أهل السنة علي ذلك .
ولو لم يرد من الله ورسوله عليه الصلاة والسلام فيهم شيء.. لأوجبت حالهم التي كانوا عليها من الهجرة والجهاد ونصرة الإسلام وبذل المهج والأموال وقتل الآباء والأبناء والمناصحة في الدين وقوة الإيمان والتقوى واليقين القطع بعدالتهم.. وأنهم أفضل من جميع من جاء بعدهم
بقي أن نذكر أن أهل العلم شددوا كثيرا ً من إنكارهم علي من يجترئ علي التطاول علي مقامهم العالي.. أو ينال منهم .
حتى أن كثيرا ً منهم قال بكفر من فعل ذلك.. لمعارضته لما أسلفنا من نصوص القرآن والسنة الصحيحة وإجماع العلماء وأيسر ما قيل أن يؤدب حتى يرجع عن غيه.
فالطعن في الصحابة طعن في النبي صلي الله عليه وسلم.. فهم أصفياؤه وخاصته .. وما كان الله ليختار لصحبة نبيه وحمل أمانة دينه إلا خيار الناس.. فالله أعلم حيث يجعل رسالته .. فهم شهداء الله علي الأمم.
لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ
ولا يخفي أن الطعن فيهم والانتقاص منهم مقصوده هدم الدين وزعزعة أركانه.. إذ أنهم هم حملته إلينا وهم ناشروه بين الناس .
فليس لمن اجترأ عليهم حظ من الدين والإيمان .. فمن أحبهم فبحبه لله ورسوله.. ومن أبغضهم فببغضه لهما.
فاللهم إنا نشهدك أنا نحبك ونحب رسولك وأبا بكر وعمر والصحابة أجمعين .. ونرجو أن تحشرنا معهم وإن لم نعمل بأعمالهم .

التعليقات

موضوعات ذات صلة