القائمة إغلاق

عندما يخشع في المسجد .. ويفسق في السوق

عندما يخشع في المسجد .. ويفسق في السوق

بقلم فضيلة الشيخ: علي الديناري

ضجت شكوانا من تناقض يحسه المؤمن في قلبه بين حاله وهو في بيت الله.. وحاله وهو في السوق أو الطريق وربما العمل.

واشتد هذا الأمر على المؤمن الصادق الذي تسره حسنته وتسوؤه سيئته والذي اعتاد على طاعة الله وتجنب معصيته.

يدخل أحدنا المسجد فإذا قلبه قد حضر وحضرت كل معاني الإيمان الجميلة وإذا نفسه قد خضعت وخشعت وأصبحت من النفوس المطمئنة.

يخرج من المسجد إلى الطريق والسوق.. فإذا بقلبه قد غاب وتشرد وذهبت معه معاني الإيمان الصادقة.. وإذا بنفسه التي بين جنبيه أمارة بالسوء تسول له المخالفة وتحدثه بالمعصية.. وربما ضعف أمام نفسه وأطاعها فعاد من هناك خاسرا ً شيئا ً من دينه والعياذ بالله.

إنه يضيق بهذا الحال ويتهم نفسه باتهامات شنيعة قد تصل إلى النفاق !

إنه أصبح يتحرج من الخروج إلى الحركة والحياة.

مخاطر التناقض

الأخطر من ذلك عدة مخاطر أخرى..

أولها: هو ضعف العبد أمام نفسه وشهوته و تطور ما يدور في النفس وانتقاله إلى درجة ارتكاب المعصية فعلا ً..

ثانيها: أنه إن ترك نفسه على هذا الحال اعتاد عليه حتى صار ديدنه (شيخ في المسجد فاسق في السوق منافق في العمل سيء الخلق مع الناس) !!

وهذه الصورة نكرهها جميعا ً ونتأفف منها ونستعيذ بالله كلما تذكرناها ونحتقر من رأيناه على هذا الحال .

الخطر الثالث: هو الإحباط وضعف الثقة في النفس وقد ينتقل ذلك إلى درجة أخطر هي اليأس من التخلي عن هذا الحال فيترتب عليه.

الخطر الرابع: التخلي عما يتمسك به من دينه وما تبقى من تدينه لله تعالى وترك نفسه لاقتراف المنكرات وترك طريق الطاعة وصحبة الطائعين مادام غير قادر على حفظ تدينه.

الخطر الخامس : فقدان الندم وعدم الشعور بالخطأ والتماس المعاذير وتبرير المواقف وخداع النفس وإتباع الهوى وانتكاس الحال إلى أن يحل الموت وسوء الخاتمة والعياذ بالله .

تعالوا بنا نتناصح سويا ً في هذا الخطر ويفيد بعضنا بعضا ً.. لعل المبلغ يكون أوعى من السامع.. والدال على الخير كفاعله.

ولعل كلمة تثبت مؤمنا ً فيثبت الله قائلها حين تزيغ القلوب وتزل الأقدام وسأبدأ مستعينا بالله بذكر ما عندي منتظرا ً ما عند كل قارئ في هذا الأمر الذي يخصنا جميعا .. ولنبدأ بالأسباب:

السبب الأول شدة الفتن وكثرة صورها في هذا الزمان:

فقد علا صوتها بالنداء ولم تعد تكتف بالراغبين فيها الساعين إليها.. فقد تطور علم التسويق والدعاية وتفنن في الوصول إلى المستهلك.. فوصلت الفتن إلى أبواب البيوت بل إلى أبواب المساجد وربما إلى داخلها.. فاللهم أحفظنا وثبتنا

لقد تحولت الشوارع إلى معارض دائمة للفتن والفساد وأصبح مجرد السير في الشوارع مكلفا ً دينيا ً.. يخصم من إيمان العبد ما لم يحترز.

والاحتراز صعب فغشيان أماكن الفساد سبب رئيسي لقسوة القلوب وغفلتها عن الله.

السبب الثاني قلة العبادات التي تزود القلب وتغذيه فتقويه وتشفيه

فقد يكون نصيب أحدنا منها هو الفرائض والسنن ولا نصيب له من نوافل أخرى كصلاة النوافل و تلاوة القرآن والصيام والصدقة والأذكار والدعاء.

خصوصا ً إذا كان يفهم أن الدعاء مرتبط بالبلاء.. فمادام في عافية في دنياه فقد استغنى عن الدعاء لقبول توبته.. وحفظ دينه ولنجاته من أهوال القيامة بل لدوام عافيته.

السبب الثالث ضعف العبادة في المسجد

وفقدانها للحياة والروح بفقدان الخشوع والتدبر وحضور القلب وبالتالي تضعف الثمرة من العبادة ” إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ” العنكبوت إذا كانت صلاة أما إذا كانت شبه صلاة أو جثمان صلاة بلا روح ولا حياة فما أضعف نهيها عن الفحشاء والمنكر.

فيجتمع من هذه الأسباب الثلاثة شدة الهجوم من الفتن المهلكة مع ضعف الدفاع من القلب الذي لم يتزود بالطاعة ويتقو بها فماذا تنتظر النتيجة؟!

السبب الرابع : إهمال التذكرة والإعراض عن كل ما يذكر بالآخرة

فلا تشييع للجنائز ولا زيارة للمقابر ولا حضور للمواعظ في المساجد حتى صلاة الجمعة ربما يختار أحدنا مسجدا ً قريبا ً ولا يشترط حسن استفادته من الخطبة فتضيع فرصة الخطبة ويمر يوم الجمعة ولا جديد على القلب.

السبب الخامس : كثرة الشواغل

خصوصا الشواغل التي تبعد الإنسان عن ذكر ربه كما قيل: من تتبع الصيد غفل .

فالشواغل لا تحرم العبد من وقت مخصص للعبادة فحسب بل هي في ذاتها صارفة عن ذكر الله تعالى آخذة بالقلب إلى الانغماس في أمر بعيد.

السبب السادس تغير حال العبد من العكوف على العبادة إلى الانشغال عنها والانغماس في أعمال أخرى.

فهذا سبب طبيعي ويستحيل أن يحتفظ الإنسان بحاله الذي يتعبد به حتى يستمر هذا الحال معه وهو مشغول عن العبادة منغمس في أعمال أخرى وهذا هو الإشكال الذي شكا منه حنظله رضي الله عنه للرسول (صلى الله عليه وسلم) أنه يكون معه فيتذكر الآخرة ويعيشها ثم يفارقه إلى البيت فيلاعب أولاده وزوجته فيفارقه اجتماع القلب وسكون الروح الذي كان يجده هناك في المسجد مع الرسول (صلى الله عليه وسلم)

ولكن الفرق هنا في درجة الفرق والاختلاف بين حالنا وحال الصحابي الجليل فسيدنا حنظله انتقل من مستحبات إلى مباحات بلغة علم الأصول أو انتقل من حال الجمع (أي اجتماع القلب وحضوره ) إلى حال التفرق .. بلغة علم القلوب.. أي تفرق القلب وتشتته ولحال الجمع انشراح ولذة وحلاوة هي التي فقدها بعد أن ذاقها فشكا ً ولم يتحمل مفارقتها بينما الحال الذي نشكو منه هو جموح النفس إلى المحرم وليس إلى المباح وانفلاتها إلى المعصية لولا رحمة الله وبقية من إيمان قد يثبت في الصراع وقد لا يثبت.. قد ينجح في الاختبار الشديد فينجو, وقد لا ينجح فيهوى والعياذ بالله.

السبب السابع: حب الدنيا ونسيان الموت والآخرة

عندما يسكن حب الدنيا في القلب وتصبح هي الهم الأول والأساسي وتصبح الآخرة هما ثانويا ً تخرج من القلب كل المعاني الإيمانية التي تعصم الإنسان عند حلول الفتن.

هذه هي الأسباب الرئيسية لهذا الحال الذي يسوء المؤمن ويؤرقه ويتلف أعصابه

ما هو الحل؟؟

وإذا ظهرت الأسباب سهل الحل فهو يكمن إجمالاً في تفادى الوقوع في هذه الأسباب ومنعها ومعالجة آثارها حتى يسترد القلب عافيته ويتمكن من تعمير ما أفسدته الغفلة وإحياء ما أماته البعد عن الله قال تعالى ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ” الحج

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” بادروا بالأعمال الصالحة فسوف تكون فتنا كفتن الليل المظلم يصبح لرجل مؤمنا ويمسى كافرا ويمسى مؤمنا ويصبح كافرا يبيع دينه بعرض من الدنيا

أي اسبقوا الفتن بالأعمال الصالحة واعملوا من الصالحات الكثير قبل أن تحل الفتن لأنها ستكون شديدة مظلمة كظلام الليل إلى درجة أن الرجل يكون مؤمنا في الصباح وإذا به يكفر في المساء من شدة الفتن.. عافانا الله ـ

وشكا رجل لعائشة رضي الله عنها قسوة قلبه فقالت: أذبه بالذكر

وعن أبى الدرداء رضي الله عنه قال: إن القلوب لتصدأ كما يصدأ الحديد وجلاؤها ذكر الله تعالى..

اللهم ذكرنا ما نسينا وعلمنا ما جهلنا ..آمين

التعليقات

موضوعات ذات صلة