بقلم / الشيخ علي الشريف
هناك مدرستان فى التعامل مع النص ، أحدهما التشبث بظاهر النص وعدم التوسع فى مدلولاته ، والمدرسة الأخرى هى إعمال النص مع إعمال مدلولاته.
وعلى رأس المدرسة الأولى الظاهرية ، وعلى رأس المدرسة الثانية الأحناف .
وأكثر مذهب من المذاهب الأربعة قربا من الظاهرية هم الحنابلة ثم الشافعية أبعد شيئا ما ، ثم المالكية أكثر بعدا ، ثم الأحناف أكثر المذاهب الإسلامية بعدا عن الظاهرية .
فالظاهرية قد جمدوا على النص ، فخرجت لهم فتاوى عجيبة وغريبة وبعيدة عن روح الشريعة ، كقولهم إن وافقت البكر على الزوج المتقدم لها بالكلام ، كانت الموافقة باطلة ، فلا بد لها من السكوت ؛ لأن نص الحديث : (وإذنها صماتها) ، وقالوا : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البول فى الماء الراكد ، فقالوا : لو بال فى إناء ثم سكبه فى الماء فلا شئ عليه .
والأحناف توسعوا فى القياس وتأويل النص والعمل بمدلولاته .
وأنا أميل إلى مذهب الأحناف ؛ لأن القرآن بحر زاخر بالمعانى .
ونصوص القرآن والسنة محدودة ، والوقائع لا متناهية ، ولو نص القرآن على كل الوقائع لكان القرآن بحجم جبل كبير ، والسنة بحجم البحر الزاخر ، ولكن القرآن نص على أمهات المسائل ، وجعل فى ثناياه قواعد عامة ، يستنبطها الفقهاء والعلماء المتقنون ، يستخدمون هذه القواعد وهذه الإشارات فى معرفة الأحكام التى لم يرد لها نص صريح فى القرآن أو السنة ،
فقد حرم الله تعالى الخمر ، وهى مصنوعة من عصير العنب ، وذكر علة تحريم الخمر وهى الإسكار الذى يؤدى إلى مفاسد جمة منها (إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء فى الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة) ثم هناك عشرات الأشياء المسكرة كالنبيذ ، والسبيرتو ، والهروين والأفيون ، والحشيش ، والأنواع العديدة من البرشام المسكر والمذهب للعقل ، وغيرها وغيرها من المسكرات ، فلو عدد القرآن كل أنواع المسكرات لطال الأمر ، ثم إنه ظهرت أنواع عديدة من المسكرات لم تكن فى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ومثال ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( وليستنج بثلاثة أحجار ) فإن الفقهاء لم يجمدوا على لفظ الأحجار ، وقاسوا عليه كل ما كان مثله أو أفضل منه فى عملية إزالة النجاسة بعد الغائط ، كالمدر وهو الطين اليابس ، وكالماء ، والقماش ، وورق المناديل ، وكل ما هو صالح لإزالة النجاسة ، فلو عدد رسول الله صلى الله عليه وسلم الأشياء التى تزيل النجاسة لطال به الأمر ، وقد توجد أشياء فى المستقبل تكون أفضل فى إزالة النجاسة من الحجارة ، إذن الجمود على النص يدل على ضعف الفهم لهذه الشريعة الغراء .
فلا يحق لأحد أن يقول إن النص هو الحجارة ، ولا يجوز القياس مع النص ، فنقول له هذا قياس على النص وليس قياسا مع النص ، والفرق شاسع بين الإثنين . فالقياس مع النص كأن يحرم الله شيئا ثم يأتى من يحلله قياسا على شئ حلال ، أو يأمر الله بشئ ثم يأتى من يبطل أمر الله تعالى بالقياس ، وذلك كقول الله تعالى : ( يوصيكم الله فى أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين ) ثم يأتى رجل فيقول : نقيس الأنثى على الذكر ؛ لأن الإثنين هم من أولاد المتوفى ، فيجب التسوية بين الذكر والأنثى فى الميراث ، فهذا قياس فاسد ؛ لأنه قياس مع وجود النص .
بارك الله فيكم ورزقنا الله وإياكم حسن الفهم لكتابه العزيز .