يفهم البعض العبادة على أنها هي الشعائر كالصلاة والصوم والزكاة والحج وفقط .. وهذا المفهوم الخاطئ للعبادة، هو مفهوم خطير إذ قد أوصل البعض إلى أن حجم الدين في حياة الإنسان مقتصر مكانه على المسجد، وجعل له فضول الأوقات، وفصله فصلاً كاملاً عن ضبط شئون الحياة وتسييرها وأصبحنا نرى بين المسلمين من ينتسب إلى العلمانية مذهباً، وينادي بفصل الدين عن الدولة .. وكل ذلك منشؤه الخلل في فهم حقيقة العبادة.
ومدار العبادة على فعل المأموربه ، واجتناب المنهي عنه
والاستعانة بما أباحه على التقويِّ على طاعته سبحانه
وبهذا تصبح حياة الإنسان كلها عبادة، فنومه عبادة، وطعامه عباده، وشرابه عبادة، وزواجه ، وزينته وكل شئ في حياته مما أباحه له يصير عبادة إذا نوى به التقَوىِّ على طاعته سبحانه
وقبل ذلك فطاعته الله فيما أوجبه وفيما حرمه هي عين العبادة، وبذلك يكون الحكم بشريعته سبحانه عبادة مفروضة كتحليل الحلال وتحريم الحرام وإقامة الحدود .. ولذلك فصرف بعض هذه العبادات المفروضة لغير الله هو شرك بالله العظيم، وكفر به سبحانه، يقول سبحانه “اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله” وقد فهم عدي بن حاتم معنى العبادة فهماً قاصراً، فقصرها على الركوع والسجود ونحوها من صور التعظيم، ولذلك قال قرأ عليه رسول الله -صل الله عليه وسلم- هذه الآية :
إننا لم نعبدهم يا رسول الله – يعني لم نقدم لهم الشعائر والطقوس – فقال النبي –صلى الله عليه وسلم- مبيناً لعدي “إنهم أحلوا لهم الحرام وحرموا عليهم الحلال فاتبعوهم في ذلك، فتلك عبادتهم إياهم”
إن معنى العبادة القيام بحق العبودية لله .. ومعنى العبودية لله أن الإنسان عبد مملوك لله خاضع لسلطانه وحكمه، وعبودية الإنسان لله لا تكون في وقت دون وقت، ولا في مكان دون مكان، ولا في حال دون حال .. بل الإنسان عبد لله في كل وقت وفي كل مكان وعلى كل حال، وعبودية الإنسان لله ليست مُبَعَّضة، فليس بعضه ملكاً لله وبعضه ملكاً لغير الله، وإنما هو كله عبد لله وحده وليس فيه شريك، وطالما أنه ليس لله فيه شريك فلا يصح أن يشرك معه غيره في حق العبودية وهو العبادة .. وطالما أنه عبد لله في كل وقت وعلى كل حال فكذلك يلزمه القيام له بحق العبودية في كل وقت وعلى كل حال.
أخي الداعية : إن من أهم واجباتك كداعية بيان المفهوم الصحيح للعبادة، ومن قبل ذلك أن تجعل من حياتك مثالاً حسناً في جعل الحياة كلها عبادة لله، متمثلاً قوله سبحانه وتعالى
“قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له، وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين”