بقلم أ/ علاء العريني
تعرَّفت على “الجماعة الإسلامية” في عام 1988 وكنت وقتها في نهاية المرحلة الإبتدائية.. وجدت نفسى بينهم ..شعرت وقتها بالمعني الحقيقي للإسلام كمنهح للحياة وليس مجرد شعائر داخل المسجد
مرت الأيام وكل يوم يزيد تعلُّقي بهذه الجماعة ولا أخفي عليكم لم يكن لدي أى قبول للعلم الشرعي ودراسته دراسةً أكاديميةً ولكني تعلمت الخطابة مبكراً.. كان الحب يزداد كل يوم لهؤلاء الرجال حتي كانت أحداث .. 1994تم اعتقالي في هذا التوقيت ودخلت السجن وكان عمري في وقتها 17 عاماً ؛وجدت عالَماً آخر غير العالم الذي تركته .. نظام التزام.. أخلاق.. جد.. نشاط .. أمثلة عظيمه للتضحية وحب عظيم لهذا الدين، ووجدت أن المحصلة العلمية لديَّ “صِفر” بالمقارنة بكل من قابلتهم في المعتقل وهنا بدأتُ رحلة التغيير، وبدأتها بالقرآن، ولم أكن أحفظ في وقتها إلا سبعة أجزاء، ولله الحمد خلال ستة أشهر أتممت حفظ القرآن. ثم انتقلت بعدها إلي سجن آخر كانت فيه المادة العلمية متوفرة، وهناك وجدت ضالتي واكتشفت في نفسي صفة لم أكن أعرفها وهي سرعتي في الحفظ لدرجة أني كنت أحفظ الكتاب بالنص.
وخلال هذه الفترة عرفت “الجماعة الإسلامية” التي لم أكن أعرف منها إلا الاسم برغم وجودي في صفوفها طيلة هذه الفترة عرفتها معرفة حقيقية من خلال دراستي لكل أبحاث وإصدارات الجماعة الفكرية مثل: “من نحن وماذا نريد”؟ و”العذر بالجهل” و”أصناف الحكام” و “قتال الطائفة الممتنعة” و”وجوب العمل الجماعي” و”ميثاق العمل الإسلامي”
حفظت معظم هذه الأبحاث وكنت أقوم بتدريسها ووجدت ما فيها يتماشى مع طبيعتي؛ كنت متحمساً جدا ومتعصباً أكثر وتسبق يدي عقلي لدرجة أن البعض كان يطلق عليَّ “مُسعِّر حرب” لا أقول هذه الكلمات من باب الحديث عن نفسي ولكن لنتيجة سأصل لها في النهاية .
لم يكن يعنيني السجن طالت المدة أم قصرت؟ ضُيِّق علينا واشتد التعذيب أم وُسعَ علينا.
كان هناك هدف وكنت علي استعداد أن أتحمل في سبيله أي شيء وكل من عاش معي يعرف ذلك.. كان البعض ممن يخالفني في الفكر يصفني بعسكري الأمن المركزي في تعاملي مع المسؤل .. لا مجال لدي للتفكير ولا المناقشة كل ما يطلب مني أفعله بلا تردد ولا نقاش.
حتي جاء اليوم الذي بلغنا فيه خبر “مبادرة الجماعة الإسلامية لوقف العنف “وكثر الكلام فى هذا الأمر حتي عاينَّا الحقيقة كاملة وذلك من خلال الندوات والإصدارات التي قام بها قيادات الجماعة الإسلامية داخل السجون .. وقد أحدثت هذه المراجعات الفكرية زلزالاً في داخلي .. شعرت وقتها أن الجديد ينسف القديم ووجدت الأساس الذي كنت أقف عليه وأنطلق منه يهتز وشعرت وقتها بحالة غريبة كنت أجلس مع نفسي والدمع يتساقط من عيني! فماذا أفعل؟
هل العلم الشرعي الذي حفظته هو الحق؟ أم ما يقال الآن هو الحق؟
كتمت الأمر في داخلي وأخذت أبحث عن نفسي التي فقدتها ربما وجدت ما يريح قلبي .. دخلت علي أحد المشايخ وقلت له: بعد سلسلة “تصحيح المفاهيم” وبعد هذه المراجعات الفكرية الشاملة من نحن وماذا نريد ؟ قال لي إجابة لم تكن مقنعة لي في وقتها.
قال : نحن “الجماعة الإسلامية” وليس معني وضع السلاح أننا تغيرنا .. كل هذه الأبحاث بها ضوابط للقديم وخلاصة تجربة . تركته وانصرفت ومرَّت الأيام وجاء ضابط أمن الدولة للتحقيق معي فقال لي : هل أنت مقتنع بالمبادرة؟
قلت له: لا.
فنظر لي غاضباً وقال لي: لماذا؟
قلت :لأنني لا أتحرك بنقرة زِرّ، ولست مثل الأسفنح أتشبع بكل ما يقع عليَّ .
رجعت إلي زنزانتي ووجدت هناك فى الغرفة أحد القيادات جلست طيلة الليل في نقاش معه ولما لم أقتنع
قال لي: نصيحة ضعها أمام عينيك .. اهتم بدراسة الدين وضُمّ كلام العلماء بعضه لبعض واهتم بدراسة الواقع والإنسان عندها ستجد نفسك التي تبحث عنها.
وكانت هذه النصيحة هي البداية فقد جمعت كل الإصدارات الجديدة وقارنتها بالقديم وظللت فترة أقرأ حتي وصلت لقناعة ووجدت نفسي ولكن نفسي الجديدة المنفتحة علي الجميع التي تقدم العقل علي اليد؛ وجدت شخصيتي الجديدة التي لو قضيت حياتي كلها للوصول لهذه الحالة وهذا المكون فلن أصل لولا هذه المراجعات الفكرية التي خرجتُ بسببها من ضيق الأفق إلى السعة ومن ضيق الفكر لسعة الإسلام ومن عصبيتي للجماعة إلي ولاء مطلق لكل مسلم .
أكتب هذه الكلمات بعد نقاش دار بيني وبين صديق كان يعرف شخصيتي القديمة فعندما سألني: لماذا تغيرت لهذه الدرجة؟ رجعت بالذاكرة للوراء لأسطر هذه الكلمات.
شكراً جزيلاً لمن كان السبب في هذا التغيير، والشكر موصولٌ لمشايخي الكرام الذين تحملوا الكثير حتي نصل لهذه المرحلة ولو لم يتم تقزيم المراجعات الفكرية للجماعة الإسلامية واعتبارها نصراً أمنياً للدولة وللأجهزة الأمنية لكان لها دور كبير في بناء المجتمع.
أتمني أن نعطي هذه التجربة الفريدة حقها من الدراسة فالناس فى شغف لسماع تفاصيل هذه التجربة
قولوا للناس من أنتم فهناك أجيال كاملة لا تعرف عنا شيئاً ..