القائمة إغلاق

المسلم بين الفكر المحلى والمستورد


بقلم علاء العريني

نحن بحاجة إلى قراءة رشيدة لفكر الاخرين الذى يطلق عليه البعض الفكر المستورد فى محاولة لتجريحه بالجملة واصطناع تصادم بينه وبين الفكر المتوارث الأمر الذى يصور الموقف باعتباره مؤدياً لتناقض ضرورى بين المحلى والمستورد أى بين الإسلام وأية أفكار أخرى لدى غير المسلمين أعلم أن كلماتى هذه ربما تصيب البعض بالصدمة وربما يعتبرها البعض سباحة ضد التيار ولكنى أقول للجميع ينبغى أن نحطم قيود العقل ونتخلص من سجن الأفق الضيق فالبعض مازال يصر على سد النوافذ والأبواب وتطويق عقول البشر بحجة حمايتهم من الأفكار الواردة من الخارج هؤلاء هدفهم هو مصادرت أى فكر من أى نوع بل ومصادرة العقل ذاته فى نهاية الأمر ونسى هؤلاء أن الإسلام فى الأساس دين موجه للبشر كافة يتجاوز قيود وحدود الزمان والمكان وعلينا أن نعلم أن التسليم بمنطق هؤلاء يقود إلى قوقعة الإسلام ويشجع الآخرين على رفضه بحجة أنه فكر مستورد من وجهة نظرهم وللعلم ليس هناك فكر مستورد وآخر محلى وإنما هناك فكر نافع يجب أن نسعى إليه ونلح فى طلبه وفكر ضار يجب أن نقاومه ونتصدى له بكل وسيلة وهذا هو المنطق الإسلامى الذى عبر عنه النبى صلى الله عليه وسلم بقوله ( الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق الناس بها ) وهو قول يرد فى بلاغة وبساطة على مزاعم الزاعمين من دعاة اغلاق الأبواب والنوافذ وفرض الوصاية على ضمائر المسلمين 
إن هذه الرؤية المشوبة بالخوف والذعر من الآخرين لم يعرفها المسلمون فى سنوات الدعوة الأولى رغم كل التحديات التى كان يمثلها الآخرون بالنسبة إليهم ورغم المواجهة المتصاعدة بين الحضارة الإسلامية الوليدة وحضارات الفرس فى الشرق والروم واليونان فى الغرب .
وبعد أن تخطى المسلمون حدود الجزيرة العربية وانتصروا على الفرس والروم فى عهد عمر ابن الخطاب أبقى الخليفة على كل النظم والدواوين التى أنشأها الفرس والروم فى العراق والشام ومصر بل نقل بعضاً منها إلى الجزيرة العربية . ولكن التفاعل الفكرى الحقيقى حدث فى العصر العباسى أواخر القرن الثانى الهجرى عندما أمر الرشيد أن يلحق بكل مسجد مدرسة لتعليم العلوم بأنواعها ثم جاء المأمون فأنشأ بيت الحكمة فى بغداد وفيه بدأت أول وأكبر حركة لاستيراد الفكر بترجمة كتب الفرس والروم واليونان إلى العربية وكان من شروط صلح المأمون مع ميشيل الثالث أن يعطيه إحدى مكتبات الآستانه وفيها عثر على كتاب بطليموس فى الرياضة والذى تم ترجمته على الفور إلى العربية باسم المجسطى وقد حقق تفاعل الحضارات أهدافه فى ذلك الوقت وكان المسلمون يتقدمون بثقة مدركين أنهم أولى من غيرهم بالحكمة وأنهم مدعوون للسعى وراء العلم والمعرفة أينما كانت وكان شعارهم ( خذ ما صفا ودع ما كدر ) فنهلوا من بحار المعرفة بغير تردد واستوعبوا ما هو إيجابى ومفيد من أفكار الآخرين ثم كان جهدهم العظيم والخلاق فيما بعد والذى تلقفته أوربا فى بداية عصر النهضة .
فهل نستوعب هذا الدرس ونتعلم من هذه التجربة ؟ أتمنى

التعليقات

موضوعات ذات صلة