القائمة إغلاق

رمضان .. بين تعب الأبدان وسمو الأرواح

 

بقلم / أ . سيد بدير

عجيب أمر هذه الجوارح وذلك الجسد !

إن سعيتَ لتلبية رغباته وإسعاده وتحقيق ملذَّاته بألوان الطعام والنوم الوفير والترفيه واللعب والشهوات وتوفير الأموال من أي طريق وإرضاء غروره بالاستعلاء علي الناس ؛ سخط عليك وقام يشهد عليك يوم القيامة !

وإن أنت أتعبتَه وحرمته وأرهقته في العبادة، والجوع، والتواضع لله والبكاء من خشيته والحزن الطويل خوفا من عذاب الله ..رضي عنك وشهد لك رغم آلامه ومعاناته وجراحه!

ذلك أن هذا الجسد ماهو الا آلة تُقاد والمتحكم فيها هوالقلب الذي يعطيه الحياة .

لقد صدق ابن الجوزي حين قال : “إنما يسير الناسُ إلي الله بقلوبهم لا بأبدانهم”.

شهر رمضان لاتكاد تجد فيه وقتا للراحة فنهارُه لاطعام ولا شراب فيه وليله قيامٌ في قيام .. تراويح وتهجد يُختَم بالسحور الذي هو عبادة وبركة ؛ثم صلاة الفجر وأذكار الصباح والدعاء وقراءة القرآن .. وسرعان ماتشرق الشمس لتجد نفسك أمام التزام آخر لايقل أهمية دينياً ودنيوياً ألا وهو السعي لكسب العيش أياً كانت سبله؛

فالبائع المتجول لابد وأن يُبَكِّر في طلب الرزق، وأصحاب المحلات كذلك ، والموظف لابد أن يذهب إلى عمله ،والفلاح لابد أن يذهب الي أرضه للري والحرث وخلافه ؛كل هذا وأنت صائم وبلا نوم في ليلك إلا لحظات متقطعة لاتكاد تتصل أو تعطي الجسم كفايته .. ثم تعود آخر النهار تريد أن تقرأ شيئاً من القرءان يسد جوع الروح المحتاجة لغذاء وأي غذاء ؟ القرءان الكريم في شهر القرءان.. ثم أذكار المساء والتضرع والدعاء وقرءان المغرب ومتعة الاستماع والتأمل ثم مدفع الإفطار وصلاة المغرب ولاتكاد تشرب الشاي حتي تسارع الي متعة صلاة التراويح مع العشاء … فإذا انت فكرت في راحة البدن ضاعت عليك كل المُتع الروحانية الجميلة والعظيمة والتي قد لاتعوض من روائع شهر رمضان

ـ لعلنا جميعا نعيش كل رمضان هذا الصراع الذي يحتد كلما تقدم العمر رغم تخفيف حدته من قبل الله عزوجل بتقييد الشياطين في رمضان ليكون الصراع مع النفس فقط .. ويتفاوت الناس فيما يقدمونه من طاعات كلٌ حسب علو همته وانخفاضها ، ويلوم المتسابقون بعضهم بعضا كيف لم تختم إلا كذا؟! كيف تنام وقت كذا وتترك لحظات رمضان الغالية الجميلة وثواب النافلة فيه بفريضة؟! كيف وكيف وأنت حين ترى صديقا يتنافس معك سبقك كثيراً تتألم ..

نعم ..فهناك مشمرون للطاعة في رمضان ظروفهم المعيشية ميسرة يسجلون في رمضان أرقاما قياسية في طول القيام وختمات القرءان .. وأنت تنظر رغم اجتهادك بحسرة وتخاف من تأخرك عنهم ..فيأتي الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم حين يري حبلا ممدوداٌ بالمسجد فيسال عنه فيقال: “هذا حبل لزينب اذا فترت تعلقت به”. فيقول صلى الله عليه وسلم : حُلُّوه ؛ وليُصَلِّ أحدُكُم راحته فإذا فتر فليسترح” .. الله الله ..نعم يجب أن تتذوق حلاوة الطاعة التي تؤديها لله فتكون بكامل وعيك صحيح يجب أن تغالب الكسل في رمضان فهو شهر واحد في العام ..لكن ليس لدرجة أن تصلي وأنت ناعس ، وتقرأ وأنت لاتعقل ، وتدعو وأنت غافل ؛فربك العظيم لايعنيه من هذا كله إلا حُبُّ القلب الخالص له وإقباله عليه .. (لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَٰكِن يَنَالُهُ التَّقْوَىٰ مِنكُمْ ۚ)

فاللهُمَّ تقبل منا قليل عملنا

واجبر قصورنا وتقصيرنا

ياأرحم الراحمين

التعليقات

موضوعات ذات صلة