بقلم أ . سيد بدير
كلما مر علي أمَّتِنا شهرُ رمضان ، ورصدت الثقافات المعادية له حجم الطاقة الإيجابية الهائلة التي اكتسبها المسلمون في علاقتهم بربهم وتطورها وتحسنها .. كلما اجتهدوا أكثر في إعداد العدة لرمضان الذي بعده لافساد هذه العلاقة التي تتحسن باطراد وصدق الله عزوجل إذ يقول ” وَاللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا (27)النساء
إنهم يخططون ليس لمجرد الميل عن منهاج الله والابتعاد عنه قليلا .. ولكنهم يريدونه ميلا عظيما .. حتي تصبح المسافة بيننا وبين طريق العودة بعيدة وهو صراعٌ مدروسٌ بعناية، وسهامٌ موجَّهةٌ بدقةٍ شديدةٍ يعيها الذين يدبرون ويخططون .. ويغفل عنها الكثير من المقصودين بالإمالة والإبعاد الموجهة إليهم تلك السهام المسمومة …
إن ثقافة القلوب المتعلقة بالله عزوجل؛ السالكة دروب الطاعة×؛ العارفة بقيمة روحانيات رمضان تتعلق دوما بتلك الروحانيات طول العام فكانوا بعد رمضان يقضون نصف السنة يسألون الله قبول أعمالهم في رمضان ثم يتهيأون لاستقباله النصف الثاني . ليستقبلوه بالتسامح.. بالحب.. بالتوبة ..بالاخلاص .. بصلة الرحم .. بتدبر القرءان ومراجعته .. بتجهيز الصدقات ..بإعداد العُدَّة للضيافة والكرم.
اما ثقافة الذين يتَّبِعون الشهوات تقوم بعد رمضان بدراسة وتقويم الجهد الهائل الذي بذلوه في إفساد الخلق، ثم تكريم المجتهدين، ثم التعجيل بوضع خطة رمضان القادم الجديدة التي تتلافي قصور الخطة السابقة .
ورغم وضوح وشدة هذا الصراع بين الثقافات الذي يتجلى في أبلغ صوره في رمضان .. ورغم تفاوت الامكانيات بين الفريقين .. إلا أنك تستطيع وببساطة شديدة أن تلمس أن المعركة شبه محسومة علي الأرض لثقافة أهل الإيمان الأقل إمكانيات .. الذين يعطيهم رمضان لااقول قُبلة الحياة ليعيشوا فقط .. بل يضخ فيهم روحاً جديدة تماماً، ويُحَلِّق بهم جميعا في آفاق إيمانية جميلة ورائعة علي كل الأعمار.
فتري الأطفال يدَّخرون من مصروفهم المتواضع لماذ؟ لشراء الزينة اللائقة باستقبال الضيف الكريم المحبب إليهم ..لإعطاء المسحراتي .. لمساعدة الفقراء ..برغم أن هؤلاء الأطفال فقراء أبناء فقراء .. وتري المساجد والعائلات والجماعات تحفز شبابها لتوزيع العصائر والتمر ساعة الإفطار علي الصائمين في الشوارع والطرق السريعة .. يعطون كل الناس بحبٍ وفرح حتى إن كان الآخذ مسيحيإ! وتري الدعوات المكثفة للمسلسلات والأفلام والفوازير قد ذهبت سُدىً فكل الناس بعد الإفطار في المساجد لصلاة العشاء والتراويح حتي النساء باطفالهن .. هذا رغم استقدام أكفأ نجومهم وشياطينهم باعلي الأجور لجذب الناس بعيدا عن طريق الإيمان .. ولكن طريق الإيمان هو الذي يجمع الأكثر والأكثر بكثير .. وكل سنة يزداد أوار الحرب .. يكثف الذين يتبعون الشهوات جهودهم .. ثم تأتي النتائج عكسية تماماً ..حيث يزداد المقبلون علي الله إقبالا …
إننا معشر السائرين في طريق الدعوة إلى الله الذين تتحرق قلوبهم لرؤية الخلق مقبلين علي الله .. تمتلئ قلوبنا بالفرح حين نرى وبلا ترتيب مسبق جهودنا تتكامل وتتناسق مع كل ساعٍ الي الخير والي هداية الخلق .. ونود أن نُقَبِّل كل هؤلاء الباذلين المخلصين … كل داعية صدع بحق .. كل شاب ترك بيته ووقف علي الطريق يوزع بكل الحب الطعام والشراب علي الناس .. كل طفل حرم نفسه ليزين الشارع بهجة بشهر الصيام.. نُقَبِّل كل شيخ كبير سعي لرأب صدع عائلته وعائلات بلدته احتراما لقدوم رمضان وتزداد فرحتنا أن الله عزوجل يرضي عنا ويرينا ماتقَرّ به أعيننا ونحن بلا إمكانيات أمام آلة الإعلام الفاجرة الجبارة لثقافة الصادين عن سبيل الله تعالى ..
إن الذين يتبعون الشهوات قد يرون فشل جهودهم الجبارة في أبعاد الناس عن طريق الله .. فيسبُّوننا علنا .. غيظا وحنقا علي نجاحنا وفشلهم … فيتصدي هذا للقول بأنه لاتوجد للصيام حكمة .. وهذا للفتوى بأن الجماع لايفسد الصوم .. وهذا لإسكات صوت المأذن بحجة الإزعاج ..تشعر أن الهزيمة افقدتهم وعيهم فخرجوا كالمجانين علي الفضائيات يسبون كل مظهر من مظاهر الإيمان .. ويبقي الشهر الكريم الذي عرفه ربنا بأنه .. الذي أُنزل فيه القرءان .. علامةً مضيئة علي جمال التلاقي بين نور السماء ونور الطاعة في قلوب المؤمنين علي الأرض مهما احتدم صراع الثقافات ومهما بذلوا من جهود لافساده علينا …
(يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَاللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ،
وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَن يُتِمَّنُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ)