القائمة إغلاق

الإسلام وقضايا المرأة (1)

الإسلام وقضايا المرأة (1)

بقلم فضيلة الشيخ د. عصام دربالة

حقائق و أدوار نسائية

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُسْلِمُونَ) [1].

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَآءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً)[2].

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[3].

وبعد…

هناك من يصر على أن يلصق بالإسلام ظلمًا وعدوانًا وزورًا أو بهتانًا أنه عدو للمرأة وأنه سبب شقائها وتعاستها وأنه لا يرى دورًا لها في الحياة إلا كمتاع وآلة من آلات الإنجاب!!

وهناك البعض الآخر يريد إلحاق الهزيمة الفكرية بالإسلام ومجاله المفضل لذلك المرأة وقضاياها رغم أن الحقيقة الساطعة أن أسهل الميادين لبيان تفوق وعبقرية الرؤية الإسلامية والخلل في الرؤية الغربية هو ميدان المرأة وقضاياها.

وفي ظل تردي أحوال المرأة في عالمنا الإسلامي ومعاناتها من العديد من أشكال الظلم والامتهان ينسب البعض كل ذلك إلى الإسلام ومن ثم يسعى إلى الدعوة إلى رؤية جديدة يستوردها من الغرب كي تكون طوق النجاة لنساء وفتيات أمتنا ولاشك في أن المرأة تعاني في عالمنا الإسلامي من مشاكل عديدة يجب التصدي لها برصدها وطرح الحلول لها لكن أن تستخدم وتوظف هذه المشاكل لتسويغ الحلول الغربية فهذا هو الحق الذي يراد به باطل.

والإسلام وهو يمتلك رؤية فذة وعبقرية لقضية المرأة لا يغلق الأبواب أمام المؤمنين بها كي لا يطلعوا على عطاءات الأمم والشعوب الأخرى, بل أمرهم بالتواصل والتعارف (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ)[4] وفتح لهم الباب ليأخذوا من تلك العطاءات ما لا يضاد منهجه أو يناقض مقاصده, وعلمهم أن يكونوا كالنحل لا يقع إلا على الزهور ولا يمتص إلا الرحيق ثم بعد ذلك يهضمونه ليقدموا هذا الرحيق عسلًا سائغًا للعالمين بعد أن يمزجوه بمنهج دينهم القويم.

وعبقرية الرؤية الإسلامية لقضايا المرأة مردها إلى أنها تتسم بالمنطق, والعلمية, والواقعية, وموافقة الفطرة الإنسانية, وكيف لا؟! وهي رؤية من عليم خبير (أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ)[5].

–  فهي رؤية منطقية لانطلاقها من إثبات الخلاف بين الرجل والمرأة في الخلق والتكوين, ومن ثم إثبات الاختلاف في الأدوار والأعمال المناسبة لكل منهما في إعمار الكون.

– وهي رؤية علمية لأن العلم أثبت تلك الفوارق بين الذكر والأنثى وأثبت تأثر المرأة بتلك الخصوصيات التكوينية الخاصة بها.

– وهي رؤية واقعية لأنها تتوافق مع الواقع وتعالج مشكلاته الناتجة عن إهمال تلك الخصوصيات.

– وهي رؤية فطرية لأنها تقرر ما هو فطري بالنسبة لكل أنثى سوية من انجذابها وانحيازها للفضيلة والحياء والعفاف, والتطلع إلى الأمومة والسعادة الزوجية, وحب العطاء لأسرتها ومجتمعها ووطنها.

ومن هنا فإن قضية دور المرأة في عمارة الكون تصلح بامتياز لبيان عبقرية الرؤية الإسلامية وعوار ما عداها وهذا ما سيوضحه هذا الكتاب عبر ثلاثة فصول:

الفصل الأول: (وللمرأة دور حيوي).

الفصل الثاني: (الخصائص التكوينية للمرأة بين الإسلام والعلم الحديث).

الفصل الثالث: (دور المرأة في عمارة الكون).

وأخيرًا فإننا نقدم هذا الكتاب لنساء وفتيات الأمة كي يوقنَّ أن الإسلام قد أنصفهن وكي ينطلقن في بناء أسرهن وخدمة مجتمعهن ويشاركن في تقدم أوطانهن على هدى من تلك الرؤية الإسلامية السامقة, وما كان في هذا الكتاب من خير فهو محض توفيق من الله, وما كان فيه من غير ذلك فهو من النفس والشيطان, وأسأل الله أن يتقبل منا وينصر دينه ويعلي شريعته.

(رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)

المؤلف

عصام دربالة

تمهيد

لا شك أن أي أمة لا يمكن أن تتقدم إلا بمشاركة المرأة الفعالة في صياغة حاضرها ومستقبلها ودور المرأة في هذا الصدد هام ومحوري, وأحسب أنه لن يختلف اثنان حول صحة هذه المقدمة, لكن يظهر الاختلاف عندما يدور الحديث حول دور المرأة في الحياة وصياغة المجتمع.

دور المرأة بين رؤيتين:

والسؤال المطروح دائما…. هل للمرأة دور؟ وما هو؟

وهنا تتنوع الرؤى وتتعدد الإجابات بتعدد المشارب والمذاهب والاجتهادات, وتزداد حدة الأمر كلما اشتد الصراع حول تحديد منهج صياغة المجتمع, هذا الصراع الذي نشهده اليوم, والذي مازالت وقائعه تدور حتى هذه اللحظة بين منهجين أساسيين ورؤيتين مختلفتين لهذه القضية, منهج الله, والمنهج الغربي, حيث لكل منهج رؤية مغايرة في أصولها وجل فروعها عن المنهج الأخر. 

فمنهج الله: (صِبْغَةَ اللَّهِ ۖ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً)[6]  المنهج الغربي القائم على فصل الدين عن الحياة, والذي أفرزته الحضارة الغربية, وهي تسعى اليوم جاهدة لتفرضه علينا وتسوقه لنا عبر التبشير بعصر العولمة تحت مظلة الهيمنة الأميركية.. وللأسف لقد نجح هذا المنهج في تحقيق اختراقات كثيرة في مجتمعاتنا الإسلامية, ليس فقط على مستوى المحاكاة في الأزياء أو المعمار أو حتى البيتزا, ولكن على مستوى العقول والمفاهيم.

– فالرؤية الإسلامية تنطلق من الإقرار بالحقيقة البديهية التي تعترف بخصوصية التكوين الأنثوي واختلافه عن التكوين الرجولي, ومن ثم تنظر إلى أدوارهما-الرجل والمرأة- في إطار التنوع الذي يتكامل.

– أما الرؤية الغربية فهي وإن اعترفت باختلاف المرأة عن الرجل فهو عندها لا يتعدى الاختلاف البيولوجي عديم الأثر, ومن ثم تسعى إلى تذكير الأنثى ولا بأس من تأنيث الرجل في إطار المساواة.

– والإسلام يبني المجتمع على أساس أسرة متماسكة تلعب المرأة فيها دورًا حيويًا كأم متخصصة في رعاية أبنائها وهي أيضا مهيئة لخدمة مجتمعها في حدود قيم دينها وأحكام شريعتها.

– والرؤية الغربية الأسرة فيها ثانوية الدور, وأدوار المرأة اللصيقة بها هناك من يقوم بها نيابة عنها في الحضانة والأطعمة الجاهزة والأم البديلة.

– والإسلام وإن أمر المرأة بستر جسدها عن الأغراب والأغرار, فقد طالبها بتحرير عقلها والانطلاق لأداء رسالتها, وقد زرع فيها قيم العفاف والحياء والفضيلة.

– والرؤية الغربية وإن أعطت المرأة حق تعرية جسدها وادعت أنها تحرر عقلها وكيانها, فهي في الحقيقة لا ترى المرأة سوى سلعة تسوق بها منتجاتها كفتاة غلاف أو ممثلة إغراء, وعلى أحسن الأحوال كسكرتيرة لتسهيل أعمال البيزنس وحدث ولا حرج عن جحيم العلاقات المفتوحة الذي تعيشه المرأة هناك والأطفال بدون أباء, والإيدز, والشذوذ على كل الألوان.

فهذه أهم ملامح الرؤية المنبثقة من الحضارة الغربية, التي لا ننكر أن لها إنتاجات إيجابية في قضايا المرأة أو غيرها, والإسلام بطبيعته يحوي كل خير ومنفتح على كل مصادر الخير وهو لا يمنع الاستفادة من تلك الإنجازات الإيجابية للحضارة الغربية أو غيرها, فالحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها أخذها لكن مع ذلك يبقى الخلاف عميقا.

نعم الخلاف عميق بين الرؤيتين بشأن طبيعة المرأة ودورها, والمطلوب منا اليوم أن نتعامل مع القضايا التي تخص المرأة على أساس متين من هويتنا الإسلامية مما يحقق ليس مصلحة المرأة فحسب, ولكن أيضا مصلحة مجتمعها وأسرتها وبنات جنسها.

ليس مطلوب منا أن نتبنى رؤية تسحق المرأة لكونها امرأة, كما لا ينبغي أن نغدق على المرأة حقوقًا ليست لها بدعوى إنصافها من الظلم الذي تعرضت له يومًا, فالحق وسط بين هذا وذاك, ولا يصح أن تنشغل المرأة بالمطالبة بحقوق لها مع إهمال وإغفال المسئوليات التي عليها, فهذا السلوك دليل على فقدان البصيرة كما قال ابن عطاء الله السكندري: “اجتهادك فيما لك وتقصيرك فيما طلب منك دليل على انطماس البصيرة منك”, كما لا يصح أن نسعى لتجريد المرأة من حقوقها المشروعة وسحقها بالواجبات المطلوبة, فهذا ظلم تأباه الشريعة وتحاربه, والعدل كل العدل أن تكون نظرتنا للمرأة ودورها في إطار الحق والواجب, وإطار التكامل مع دور الرجل, وهذا ما قدمته لنا شريعتنا السمحاء منذ خمسة عشر قرنا مضت ولا يحتاج منا سوى أن نعيد اكتشافه مرة أخرى.

فهل تصحبنا في محاولة اكتشافه عبر هذه السطور, ومن خلال المبحثين الآتيين.

المبحث الأول

لماذا قضايا المرأة؟!.

نقطة البدء في رحلة إعادة الاكتشاف للرؤية الإسلامية السامقة للمرأة وقضاياها هي الإجابة عن تساؤل يقفز إلى الأذهان: لماذا قضايا المرأة؟, وعلام كل هذا الاهتمام؟!.

بداية يكفي للإجابة عن هذا التساؤل القول: إن أي وطن لن يتقدم للأمام إلا بأن يحشد جهود كل أبنائه من الرجال والنساء على حد سواء لإتمام هذه المهمة, لكن في الحقيقة هناك أسباب كثيرة تدفعنا إلى تسليط الضوء على الرؤية الإسلامية السامقة للمرأة وقضاياها.

ولعل أهم هذه الأسباب يتمثل في أن الواقع الذي تعيشه مجتمعاتنا العربية والإسلامية ينطوي على ظلم بيّنٍ للنساء نتيجة لاستقرار مفاهيم منحرفة, ومقولات خاطئة لا تمت للإسلام بصلة, لكنها للأسف تنسب إليه زورًا وبهتانًا حتى أضحى العديد من المسلمين أنفسهم يرددونها ويحفظونها عن ظهر قلب.

ويأتي السبب الثاني من جهة الرافضين للمنهج الإسلامي جزئيًا أو كليًا, فهؤلاء لا يتركون فرصة تمر دون أن يكون أحد محاور الهجوم عليه يدور حول موقفه من المرأة وحقوقها ويرمونه بأنه هضمها حقوقها ولا يتعامل معها إلا من منطلق أنها أداة للمتعة ثم يسحقها فيما عدا ذلك!!.

وثالث الأسباب أن بعض العاملين للإسلام قد تبنوا بعض الآراء الفقهية المتعلقة بقضايا المرأة ثم قدموا تصورًا غير صحيح عن الرؤية الإسلامية للمرأة ودورها وزاد الطين بلة ما مارسته بعض الحركات التي تهيأت لها الفرصة لقيادة الدولة من أعمال قدمت صورة مغلوطة للرؤية الإسلامية للمرأة.

وفي ظل الأوضاع التي تشير إليها الأسباب السابقة كان من الطبيعي أن يتجه البعض للبحث عن رؤية بديلة لتصديرها إلى شعوبنا وعقول أبناء الأمة وهنا يظهر أهم أسباب اهتمامنا بقضية موقف الإسلام من المرأة وهو ما يحتاج إلى بعض التفصيل.

فمجتمعاتنا الإسلامية أصابها الولع بتقليد الحضارة الغربية أملًا منها في اللحاق بركب التقدم الذي نالته بلدان الغرب ومن ثمَّ لم تقم بلداننا الإسلامية باستيراد التكنولوجيا الحديثة وإنجازات العلم الباهرة ولكنها استوردت بدلًا من ذلك مذاهبها الفكرية ورؤيتها الاجتماعية؛ ظنًا منها أن هذا استكمال لمقومات التقدم.

وبدلًا من أن تؤسس أُمتنا مشروعها المستقبلي على أساس من رؤيتها الإسلامية لتصحح بها أوضاع التخلف التي تعشش فيها, ابتليت مجتمعاتنا بفرض رؤية الغرب عليها ومن هنا غزت أمتنا المفاهيم الغربية في كل ما يتعلق بالمرأة وقضاياها, وصارت المرأة الغربية هي القدوة بأزيائها وقيمها وخروجها عن وظيفتها الأساسية, كأنثى, وزوجة, وأم, ودعوتها للتحرر من قيد الأديان والأخلاق, ومناطحتها للرجال بدعوى المساواة وحريتها الجنسية, الحرية في تعدد الخلان والأصدقاء بدءًا من “البوي فرند” وانتهاءً بصديق الأسرة, أو بمعنى أدق عشيق الزوجة, كل هذا استوردته أمتنا واهمة أنها بهذا التقليد وضعت قدمها على أول بداية طريق التقدم, ونسيت أمتنا وهي تفعل ذلك أن تقدم الغرب لم يكن نتيجة لكشف أجساد النساء, أو إطلاق العنان للشهوات وتأجيجها بحرية النساء, فقد كانت النساء في الغرب يتعرضن للتمييز ضدهن عندما اكتشفت أوربا البخار في بداية طفرتها العلمية والاقتصادية.

نسيت أمتنا أن الحضارة الغربية في جانبها المادي صنعها عقول العلماء ومعامل البحث, وأن الوفرة الاقتصادية والرفاهية التي ترفل فيها أمريكا وأوربا اليوم إنما كانت نتيجة للسلب المنظم لخيرات وإمكانيات دول العالم عبر النهب الاستعماري في موجاته المتتالية والتي مثل فيها العبيد من أبناء الشعوب المستعمرة وقودًا لآلة التقدم لتلك الحضارة غير الإنسانية.

وبدلًا من أن نستورد معامل البحث العلمي نقطة القوة في الحضارة الغربية استوردنا نقاط الضعف فيها, استوردنا رؤية الغرب لدور المرأة ووظيفتها تلك الرؤية التي كان أغلب مفرداتها مسئولة عما يهدد المجتمعات الغربية اليوم من أخطار اجتماعية واختلالات نفسية, وإن لم ينته الأمر بتلك الحضارة إلى السقوط أو الانهيار حتى الآن فما ذلك إلا لوجود الوفرة المالية التي متى تبخرت وزالت انكشف التمزق الحاد داخل هذه المجتمعات والتشققات والتصدعات العنيفة داخل بنيانها والناجمة عن التمزق الأسري والتدهور الأخلاقي والفساد بشتى أنواعه[7].

وإذا كانت أمتنا لم تنتبه إلى خطأ ما اختارته فليس أقل من أن نستمع اليوم إلى ما ينادي به أصحاب الحضارة الغربية وقد عاشوا هذه التجربة التي أسموها زورًا وبهتانًا تحرير المرأة.

لنستمع إلى ما ينقله لنا الكاتب السوداني محمد إبراهيم الشوش بمناسبة احتفال العالم باليوم العالمي للمرأة في الثامن من مارس فيقول[8]:” في الغرب تخضع فلسفة الثورة الأنثوية إلى مراجعة خطيرة شاملة في ضوء تجربة ستة وثلاثين عامًا من التطبيق العملي, ومحور تلك الفلسفة كما عبرت عنها “بتي فريدوان” في كتابها “سر الأنوثة الغامض” في عام 1963م, إن حصر عمل المرأة في البيت وما يتطلبه ذلك من طبخ وحياكة ونظافة وخدمة زوجها وطاعته والعناية بتربية أطفالها ضرب من العبودية, واستغلال للمرأة, وتعويق لقدراتها الفكرية والإبداعية يحولها إلى عالة على الغير وإلى مخلوق سلبي تعس.

واستجاب لهذه الدعوة مئات الألوف من النساء خرجن كأطفال الأسطورة وراء مزمارها ينشدن السعادة والحرية بعيدًا عن مسؤولية البيت والزوج والولد.. وبعد ستة وثلاثين عامًا من التجربة المريرة وخيبة الأمل وتحقيق المستحيل, وفقدان الأمومة, وتفكك الأسرة وتفشي الطلاق, والفساد والعنف, والانحلال الخلقي والجريمة والانتحار, يعود الغرب إلى مراجعة حساباته ويبدأ موسم العودة إلى البيت والأسرة لا قهرًا ولا إذلالًا ولا تسليمًا بتدني المرأة عقليًا وخلقيًا ولا إنكارًا لإنسانيتها ودورها في الحياة ولا رفضًا لحقها في الاختيار وفقد خصوصيتها وظروفها.. بل عن قناعة رسختها التجربة, وخرجت أفلام سينمائية تليفزيونية أبرزها (زوجة الأب), (الشيء الحقيقي الوحيد), وكلها تجسد دور المرأة كأم وربة أسرة.

وبرزت كاتبات شهيرات منهن “كارولين جراقليا” و”دانييل كريتندال” يهاجمن الحركة الأنثوية ويؤكدن أن استرجال المرأة لم يؤدها إلا إلى التعاسة واليأس, وأنهن لن يحققن طبيعتهن وتطلعاتهن إلا من خلال رعاية أطفالهن وربط أسرهن, والعودة إلى البيت لا تقلل من شأنهن ولا تحرمهن حقًا دستوريًا أو قانونيًا من دون الرجل.

وإذا كانت تلك صيحة آتية من بعض نساء الغرب اليوم فهذا أمر طبيعي بعد أن عانين من بؤس هذه الرؤية الغربية وإذا أردت المزيد للوقوف على الآثار الوخيمة لهذه الرؤية البائسة التي لا تستسيغها إلا امرأة قائدها الشهوة, ومركبها النزوة, وإلهها هواها, فما عليك إلا أن تتأمل معنا هذه الأرقام والأخبار: أكد تقرير صادر عن معهد “إيستان”[9] للإحصاء الإيطالي ومقره روما أن حوالي تسعة ملايين من نساء إيطاليا بين سن 14 إلى 59 عامًا قد تعرضن لعمليات تحرش ومضايقات جنسية, وتنتشر عمليات الابتزاز الجنسي بالنسبة للنساء العاملات مقابل التوظيف والترقية أو حتى للاحتفاظ بالوظيفة تحت طائلة التهديد بالفصل لأسباب غير حقيقية, وأن 4% من النساء الإيطاليات في هذه الشريحة العمرية تعرضن للاغتصاب الفعلي, وفي نيويورك بالولايات المتحدة الأمريكية تقع في شوارعها جريمة كل ثانية أكثرها السطو والتحرش الجنسي والاغتصاب.

– انتشر الإيدز كوباء بسبب العلاقات الجنسية الشاذة حتى وصل عدد المصابين في الصين إلى مليون شخص, ويوجد في أفريقيا أكثر من خمسة وستين مليون شخص من السكان مصابين به.

لن نسترسل أكثر من هذا لبيان عوار تلك الرؤية الغربية فتلك نتائجها وهذه صيحة نسائها حاكمة عليها بعد أن وضعت تحت محك التجربة, والعجب أننا هنا في مصر منذ بداية القرن الماضي حين أطلق “قاسم أمين” دعوته لما أسماه بتحرير المرأة على غرار ما يحدث في أوروبا لم يلتفت الذين ظلوا يشقشقون بدعوته تلك لما قاله “قاسم أمين” نفسه بعد ذلك بسنوات, وبعد أن رأى نتائج دعوته الفاسدة فيذكر بعض الباحثين[10] أن “قاسم أمين” عدل عن رأيه في عام 1906م وذلك ضمن حديث له إلى صحيفة “الظاهر” التي كان يصدرها “محمد أبو شادي” المحامي, قال فيه: “لقد كنت أدعو المصريين قبل الآن إلى اقتفاء أثر الترك بل الإفرنج في تحرير نسائهم, وغاليت في هذا المعنى حتى دعوتهم إلى تمزيق ذلك الحجاب وإلى إشراك النساء في كل أعمالهم ومآدبهم وولائمهم, لكنني أدركت الآن خطر هذه الدعوة بما اختبرته من أخلاق الناس, فلقد تتبعت خطوات النساء في كثير من أحياء الإسكندرية لأعرف درجة احترام الناس لهن وماذا يكون من شأنهم معهن إذا خرجن حاسرات؛ فرأيت من أخلاق الرجال بكل أسف ما حمدت الله على ما خذل من دعوتي واستنفر الناس إلى معارضتي”. أ.هـ.


([1]) سورة آل عمران: الآية 102.

([2]) سورة النساء: الآية 1.

([3]) سورة الأحزاب: الآية 70-71.

([4]) سورة الحجرات: الآية 13.

([5]) سورة ا لملك: الآية 14.

([6]) سورة البقرة: الآية 138.

([7]) لقد رأينا النماذج تلو النماذج لهذا التردي ويكفيك أن تتذكر فضيحة مونيكا لونيسكي مع بيل كلينتون الرئيس الأمريكي, وفضيحة الأمير تشارلز مع كاميليا باركر من ناحية والأميرة ديانا ودودي الفايد من الناحية الأخرى, ألم يعين فرانسو ميتران الرئيس الفرنسي الراحل أديت كريستون عشيقته رئيسة للوزراء في فرنسا وغير ذلك كثر ومشهور!!

([8]) من مقال السيف أصدق أنباءً للكاتب السوداني محمد إبراهيم الشوش المنشور بجريدة الأهرام المصرية في مارس 1999 ص9.

([9]) راجع مجلة الوعي الكويتية عدد 398 ص83.

([10]) من دراسة قاسم أمين “بين تحرير المرأة والمرأة الجديدة” للباحث المصري عمرو عبدالكريم والمنشور بمجلة المنار الجديدة المصرية الفصلية العدد الخامس شتاء 1999 ص74.

التعليقات

موضوعات ذات صلة