القائمة إغلاق

المستحدثات ” بين المصلحة المرسلة والبدعة”

بقلم: المهندس أسامه حافظ

يقول العز بن عبد السلام: (من أراد أن يعرف المتناسبات والمصالح والمفاسد راجحها ومرجوحها فليعرض ذلك على عقله بتقدير أن الشرع لم يرد به, ثم ليبن عليه الأحكام فلا يكاد حكم فيها يخرج عن ذلك إلا ما تعبد الله به عباده ولم يقفهم على مصلحته أو مفسدته).

يتنازع الناس كثيرًا في مستحدثات الأمور التي لم يرد فيها نص باعتبار أو إلغاء هل هي من البدع المذمومة التي ينبغي ردها أم أنها من المصالح المرسلة التي تلقاها العلماء بالقبول.

ولأن الحدود ليست واضحة بالقدر الكافي في أذهان كثير من الناس وبسبب اللبس والتداخل بينهما عند من لم يتمرس بمعرفة الشريعة نجد كثيرًا من الناس يقومون بتبديع كثير من أنماط المعاملات والعادات وينهون الناس عنها باعتبارها بدعا مذمومة مثل التمثيل أو الأحزاب السياسية والمجالس النيابية وغير ذلك بينما نجد آخرين يصفون صورا من العبادات والطاعات بأنها من المصالح المرسلة ويدعون الناس إليها مثل تغطية وجه المرأة في الحج أو منعهن من الذهاب للمساجد أو غير ذلك.

ولكي تنضبط في الأذهان الفروق بينها كان هذا المبحث المختصر:

بداية ما هي المصالح المرسلة؟.

يعرفها الأصوليون بأنها المصالح التي لم يشهد الشارع لها باعتبار أو إلغاء, فهي مصلحة لأنها تجلب نفعا أو تدفع ضرا وهي مرسلة من اعتبار الشارع أو إلغائه فهي إذن مسكوت عنها لا نص فيها ولا نظير لها يقاس عليه وهي مع ذلك وصف مناسب لتشريع حكم معين من شأنه أن يحقق مصلحة شرعية موافقة لأصول الشريعة وذلك مثل ما فعل الصحابة من جمع القرآن وتضمين الصناع وقتل الجماعة بالواحد فهذه فتاوى واقضيات لم يرد في الشرع نص بها ولم يكن هناك نص له عله تجتمع معها لنقيس عليه وهي مع ذلك تحقق مصالح حقيقية شرعية لعموم المسلمين توافق مقاصد الشريعة.

وقد جعلها المالكية ضمن أصولهم وكذا الحنابلة وتوسعوا فيها كثيرُا بينما رفضها من حيث الشكل الشافعية والأحناف وإن تضمنت فتاواهم واقضيتهم كثيرا منها معتمدا على المصلحة حتى أن الأحناف خصوا بالمصلحة العام وقيدوا به المطلق إذ لم يستطيعوا تجاهلها لأن الشريعة أصلا مبنية على المصالح وقد قيد الغزالي في المستصفي إجازته لها بأن تكون كليه ضرورية قطعيه وإن كان تراجع عن قطعيته إلى الظنية في غيرها من كتبه.

ثم ولما كانت المصالح المرسلة مظنة العبث بها بدعوى تحقيق المصلحة ومدخلا للتفلت من الأحكام الشرعية فقد أهتم العلماء بوضع الضوابط الكافية لحماية هذا الأصل وضبطه ليحقق مقصودة وأبرز ما ساقوه من ضوابط ما ذكره الشاطبى وننقله عنه بتصرف.

الملائمة لمقاصد الشرع فلا تخالف أصلا من أصولة ولا تنافي دليلا من أدلة أحكامه بل تكون من جنس المصالح التي قصد الشارع تحصيلها أو قريبة منها بحيث لو عرضت على العقول السوية لتلقتها بالقبول.

أن تكون معقولة بذاتها تتقبلها العقول السليمة.

أن يكون الأخذ بها لحفظ ضروري أو حاجي أو رفع حرج وطبيعي أن يراعي في هذه المصالح – – أن تكون مصالح حقيقية وليست وهمية – وأن تكون المصالح عامه وليست خاصة.

.

من هذا العرض السريع ندرك أن المصالح المرسلة تكون في العادات والسياسة الشرعية والمعاملات لأنها معقولة المعنى, أما العبادات فلا تدخل فيها لأنها توقيفية قد تكون أحيانا غير مقبولة المعنى.
أما البدعة فهي في اللغة : ماأحدث علي غير مثال سابق

وفي الاصطلاح : فهي طريقة في الدين مخترعة تضاهي الطريقة الشرعية يقصد صاحبها المبالغة في العبادة من علم أو عمل أو حال أو هو ما أحدث بعد النبي صلى الله عليه وسلم على أنه دين وشرع بتأويل أو شبهه غير معتد بها.. أو هو أمر مستحدث في الدين على مثال العبادة يراد به الثواب..
ويعرف ابن عثيمين البدعة الشرعية المذمومة ” هي البدعة في العبادات بأن يتعبد الانسان لله عز وجل بما لم يشرعه سواء كانت هذه العبادات تتعلق بالعقيدة أو تتعلق بقول اللسان أو تتعلق بأفعال الجوارح .. فالبدعة شرعا هي التعبد لله بما لم يشرعه ” .. 
وخلاصة:

ما يسوق العلماء من تعريفات لها أنها أمر مستحدث لم يكن على عهد النبوة ولم يرد فيه نص أو نظير يقاس عليه – تماما مثل المصالح المرسلة – ولكنه يخالفها في أنه في العبادات وأنه يراد بفعله المبالغة في العبادة ونيل الثواب.

ولما كانت العبادات توقيفية الأصل فيها الحظر ولا يجوز استحداث شيء فيها فقد وصف الحديث هذه البدعة بأنها ضلاله وأن كل ضلاله في النار وزجر الناس عنها.

ومن خلال ما سبق ندرك أن شروطا ثلاثة يلزم توافرها ليوصف الفعل بأنه بدعه مذمومة وهي.

أن يكون الأمر مستحدثا.

أن يكون في العبادات.

أن يقصد صاحبه المبالغة في العبادة لنيل الثواب.

وقد يستخدم بعض العلماء كلمه البدعة بمعناها اللغوي وهو المستحدثات عموما, وبالتالي فإن بعض البدع بهذا المعنى لا يدخلها الذم لأن المستحدث ليس مذموما بالكلية ولذا لا يستغرب في هذا الحال أن يصف العز بن عبد السلام البدعة بأنها قد تكون واجبه ومستحبه ومباحة ومكروهة ومحرمة بحسب موقعها من مقاصد الشرع.

فهو هنا يستخدم اللفظ بمعناه اللغوي لا الاصطلاحي كما وصف عمر بن الخطاب اجتماع الناس على صلاة التراويح بقولة: (نعمت البدعة هذه).
وعليه فإن اصطلاح البدعة في الدين إن عممت لتشمل العبادة وغيرها فإنها لاتكون دائما مذمومة وإنما تذم إن كانت في العبادات وتذم إن صادمت أصول الشريعة بينما يدخلها المدح إن كانت موافقة لها كجمع الصحابة للمصحف واختراع العلوم المختلفة وماشابه ذلك

هذا وقد قسم العلماء البدع إلي نوعين بدعة أصلية مستحدثة المنشأ والفروع كالرهبانية التي ابتدعها النصارى وبدعه إضافية أصلها مشروعة والابتداع يكون في مكانها أو زمنها أو كيفيتها كجهر المؤذن بالصلاة على النبي صلي الله عليه وسلم بعد الأذان.

والأولى: لا شك في حرمتها أما الثانية فهي مشروعة من وجهة ممنوعة من وجه أخر ولذا فإن الذم يدخلها من جهة ما استحدث فيها على خلاف ما كان في عهد النبوة.

هذا عرض سريع لكل من المصالح المرسلة والبدعة وضابط كل منها ونستطيع مما سبق أن نستخلص الفروق الأساسية بينهما فيما يلي:

المصالح المرسلة تلائم مقاصد الشرع بينما تناقض البدعة المذمومة ذلك.

المصالح المرسلة معقولة المعني مناسبة للحكم بينما البدع غير معقولة المعني لأنها في العبادات.

المصالح المرسلة تكون لحفظ ضروري أو حاجي بالتخفيف ورفع الحرج والبدع زيادة تكليف مضادة للتخفيف.

المصالح المرسلة تكون في العادات والمعاملات والسياسة الشرعية والبدعة تكون في العبادات.

هذه هي الفروق الأساسية بينهما نسأل الله أن يكون قد اتضحت في الأذهان.

التعليقات

موضوعات ذات صلة