القائمة إغلاق

هكذا يقدرون الحريات حول تصريحات رئيس الوزراء الفرنسي عن السلفية

هكذا يقدرون الحريات
حول تصريحات رئيس الوزراء الفرنسي عن السلفية
بقلم : عبد الآخر حماد
نقلت وكالات الأنباء منذ أيام عن رئيس الوزراء الفرنسي (إدوارد فيليب ) أنه رفض اقتراحات يمينية بحظر التيار السلفي في بلاده أو اعتقال المتطرفين استباقياً ،أو ترحيل أشخاص على قائمة المراقبة الأمنية، وقال : ( إن السلفية تيار ديني وليس مجرد زي ، لذا لا يمكن حظر فكرة )، وقال أيضاً : ( لا يمكن حرمان المرء من حريته على أساس الشك، يجب حبس الإرهابيين، لكن هذا قرار المحاكم) . 
وقد جاءت تلك التصريحات بعد أيام من هجوم وقع في متجر بجنوب فرنسا تبناه تنظيم داعش ، وأسفر عن مقتل أربعة أشخاص ، ومع ذلك لم تحمل تلك الكارثة رئيس الوزراء على الجور على الحريات ومخالفة القوانين المتبعة في بلاده .
وحين قرأت تلك التصريحات تذكرت المقولة التي تنسب إلى الإمام ابن تيمية -وإن كان الصواب أنه إنما ينقلها عن غيره كما في المجلد الثامن والعشرين من مجموع فتاواه- وهي مقولة: ( إن الله يقيم الدولة العادلة وإن كانت كافرة ، ولا يقيم الدولة الظالمة وإن كانت مسلمة ). فإن فرنسا وغيرها من بلاد أوربا مع كونها بلاداً غير مسلمة ،وفيها أنواع من التحلل من أحكام الأديان بعامة ،إلا أنهم في الجملة يحترمون قوانينهم ، ويحرصون في غالب أحوالهم على إقامة العدل فيما بينهم ، ولعل ذلك من أهم أسباب بقاء تلك الدول وتقدمها .ومما يُذكر عن ونستون تشرشل رئيس الوزراء البريطاني إبان الحرب العالمية الثانية، أنه سأل وزراءه ومستشاريه عن حال البلاد مع انتهاء الحرب فكلهم أجمعوا على أن حال البلاد في أسوأ حال : في الاقتصاد والبنى التحتية والصحة وغير ذلك ،إلا أن المسؤولين عن القضاء أجابوه بأن القضاء في بلاده بخير، فقال : ( ما دام القضاء والعدالة بخير فكل البلد بخير) .
وقد اتفق العقلاء من كل ملة في القديم والحديث على أن أجواء الحرية والعدل هي الأجواء التي تنهض فيها الأمم وتتقدم ، وأن الظلم مؤذن بخراب العمران ،بحسب تعبير ابن خلدون رحمه الله في مقدمته.
ولذا جاء في الحديث الذي أخرجه مسلم في صحيحه ( 2898) أن المستورد بن شداد القرشي رضي الله عنه قال عند عمرو بن العاص رضي الله عنه : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( تقوم الساعة والروم أكثر الناس ،فقال له عمرو : أبصر ما تقول –أي انظر ما تقول وتأكد من صحته- قال : أقول ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم .قال : لئن قلت ذلك إن فيهم لخصالاً أربعاً : إنهم لأحلم الناس عند فتنة ،وأسرعهم إفاقة بعد مصيبة ،وأوشكهم كرة بعد فرة ،وخيرهم لمسكين ويتيم وضعيف ،وخامسة حسنة جميلة : وأمنعهم من ظلم الملوك ).
أي أن عمراً رضي الله عنه اعترف للروم بفضيلةِ بُعدهم عن ظلم الملوك ، وأن ذلك من أسباب ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم من أنهم سيكونون أكثر الناس في آخر الزمان. وكلام عمرو حجة في هذا الخصوص ؛ فهو أولاً واحد من دهاة العرب بل من دهاة التاريخ كله ،ومَنْ كان هذا شأنه فهو لا يلقي الكلام على عواهنه بل يتكلم عن دراية وبينة ، ثم هو مَن قاتل الروم وهزمهم في الشام ومصر ، فكلامه عنهم كلام رجل قد خبرهم وعرف حالهم ( ولا ينبئك مثل خبير ) .
فهذا مثال من حكمة الأقدمين، وأما من تجارب المعاصرين فإني أحيل على واقعة ذكرها الدكتور سلطان أبو علي الذي كان وزيراً للاقتصاد في ثمانينات القرن الماضي حيث ذكر في أحد حواراته – والعهدة عليه- أنه في عام 1955م وأثناء مؤتمر باندونج بإندونيسيا، التقى زعماء مصر والهند ويوغسلافيا ( عبد الناصر ونهرو وتيتو ) –وكانوا أصدقاء- فتناقشوا في السبل التي يمكن بها تنمية بلادهم والنهوض بها ، فأما نهرو فكان متحمساً لإقامة مجتمع ديمقراطي حر ،وأن ذلك لا يتعارض مع التنمية ومحاربة الاستعمار، وأما عبد الناصر وتيتو فقد تمسكا بأنه لا يصلح في بلديهما إلا سياسة الرأي الواحد والحزب الواحد ، ومضى كلٌ في طريقه ،وها نحن الآن وبعد مرور أكثر من ستين عاماً على تلك الواقعة نرى الهند وقد صارت في مصاف الدول المتقدمة ، بينما تفككت يوغسلافيا إلى عدة دويلات متخلفة ، وأما حالنا في مصر فلا يخفى على أحد.
إني أهدى كلمات رئيس الوزراء الفرنسي إلى من يسمون أنفسهم بالنخبة والمفكرين،ومن يتصدرون المشهد في بلادنا الذين لا يفتأون يصدعوننا بقيمة الحرية وأنه لا يجوز أن يُصادر رأي أو يُمنع فكر ،لكنك عند التحقيق ستكتشف أنهم يعنون بذلك حريتهم هم ومن على شاكلتهم ، أما حين يتكلمون عن مخالفيهم وخاصة من أصحاب التوجهات الإسلامية فإنهم ينسون كل كلامهم عن الحريات ، ويستبيحون كل الموبقات من أول الكذب على مخالفيهم ونسبة ما لم يقولوه إليهم ، إلى التحريض على قمعهم والتنكيل بهم .
وأدهى من ذلك وأمرُّ أنك تجد من مشايخ الدين وأصحاب العمائم من يتقبل أن يوجد في المجتمع أصحاب الأهواء المنحرفة ،والأفكار البعيدة المخالفة للدين ،ولكنه لا يتحمل وجود تيار إسلامي يخالفه في بعض توجهاته ،حتى طالب بعضهم بقتل مخالفيه من الإسلاميين لتخليص المجتمع -بحسب زعمه-من رائحتهم النتنة.
ومنذ فترة أثيرت ضجة بسبب تصريح لإحدى الممثلات هاجمت فيه الأذان ووصفته ب( الجعير ) ، وأنه يؤثر على السياحة ، وقالت بالحرف : ( ليه أجانب وهم ماشيين في الشارع يسمعوا الجعير ده ) ،وبدلاً من أن تنتفض وزارة الأوقاف -وهي المسؤولة عن المساجد -دفاعاً عن شعيرة من أعظم شعائر الإسلام ،فإنا وجدنا مسؤولي الوزارة يتعاطفون مع تلك الممثلة ويدافعون عنها ، فقد صرح وكيل وزارة الأوقاف بأنه يتفهم ما قالته تلك الممثلة بل زعم أن ما قالته ( قد يكون غيرة زائدة على الإسلام ) . هذا في الوقت الذي يمنع فيه كل داعية ولو كان أزهرياً من أن يخطب أو يعتلي منبراً إذا كان له رأي يخالف توجهات الوزارة وسياسة النظام . 
فهل بمثل هؤلاء يُنصر الدين ، أو يُرفع شأن الوطن ؟ حسبنا الله ونعم الوكيل .
عبد الآخر حماد
عضو رابطة علماء المسلمين 
15/ 7/ 1439هـ- 2/ 4/ 2018م

التعليقات

موضوعات ذات صلة