القائمة إغلاق

آية الإيمان .. حب الأنصار

بقلم: المهندس أسامه حافظ
 ”
والذين تبوؤوا الدار والإيمان من قبلهم .. يحبون من هاجر إليهم .. ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا .. ويؤثرون علي أنفسهم ولو كان بهمخصاصة .. ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون ” .
 
هكذا يرسم القرآن بهذه الصورة الرائعة المعبرة قلوب الأنصار التي سكنت الإيمان فتشربته .. وأفرزته محبة وعطاءً وكرماً وإيثاراً .. وأبعدت بشاشة الإيمان الشح منها.
 
من يستطيع ألا يحبهم وهو يستعيد من سيرتهم المليئة بالمآثر والعطاء حوارهم مع النبي صلى الله عليه وسلم في حنين ومقولة المحب لهم :
يا معشر الأنصار أما ترضون أن يرجع الناس بالشاة والبعير وترجعون برسول الله في رحالكم.
أما والله لو سلك الناس شعبا وسلك الأنصارشعبا غيره لسلكت شعب الأنصار .
اللهم ارحم الأنصار .. وأبناء الأنصار .. وأبناء أبناء الأنصار “.
 
أخذت أستعيد مشاهدهم العظيمة في بدر والخندق وقريظة وخيبر والحديبية و … وأستعيد متأملاً في قلوبهم الزكية وروحهم المعطاءة وأن أطأ أولي خطواتي علي مواطيء أقدامهم وأعانق بجبهتي تراباً سعد بوطأتهم.
 
هنا كان يسكن السعدان وأسيد بن حضير وعمرو بن الجموح وجابر بن عبد الله وأنس بن مالك والبراء وابن أبي رواحة وغيرهم .. تري ماذا بقي من هذه القلوب بعد هذه السنين الطوال.
 
لم أمكث في المدينة سوي أيام قلال ولكني وجدت فيها أثراً من دعوة النبي الكريم صلي الله عليه وسلم ” اللهم ارحم الأنصار وأبناء الأنصار وأبناء أبناء الأنصار “.
 
رأيت فيها مالم أره في أي بلد آخر .. رأيت الرجل العجوز يوقف سيارته بجانب الطريق ومعه بعض الشباب الصغير – لعلهم بعض أحفاده – وقد أعطي كل واحد منهم صندوقاً من تلك الصناديق التي ملأ بها حقيبة السيارة يستوقفون المارة ليوزعوا عليهم قبضات من تمر ويلحون عليهم في أخذها بحب وود ويحزنهم أن ترفض عطيتهم أو تعتذر عنها.
 
رأيت الرجل البسيط يضع قطعة قماش عليها شيء من تمر وطعام في أيام ذي الحجة الأولي إلي جوار بعض أبواب الحرم وهو يستوقف المارة ويلح عليهم يدعوهم لمشاركته الإفطار لينال ثواب إفطار الصائم.
 
ورأيت الحرم مفروشاً بالأسمطة وعليها شيء من طعام من تبرعات أهلها وقد وقف أصحاب الطعام يلحون علي الناس أن يطعموا منها ويقومون بأنفسهم علي خدمتهم.
رأيت الناس البسطاء يبيعون ويشترون بسماحة وسلاسة وكرم وإيثار وقد تدثروا بأخلاق ما وجدتها في غيرهم.
 
رأيت الأمن والسكينة والأمانة ما لم أره في أي مكان آخر .. تترك حقيبتك في أي شارع وتغيب عنها ما تغيب فتجدها في مكانها لم يقربها أحد .. تضع نقودك في أي مكان أو تنساها أو تسقط منك فترجع لتجدها حيث تركت لم تمتد إليها يد.
تخرج لصلاة الفجر فتجد السيارات الخاصة تقف لك دون أن تستوقفها أو تشير إليها لتوصلك إلي الحرم حتي تلحق بالصلاة.
رأيت البشاشة والود والكلمة الطيبة وسعة الصدر والحب يشيعون في لقائهم وكلامهم وعباراتهم.
رأيت أناساً لم أر مثلهم .. فيهم من بقايا الأنصار وآثار دعوة النبي صلي الله عليه وسلم لهم ولأبنائهم.
 
رأيت فيهم مظاهر التدين شائعة بينهم سواء بمظاهر الهدي الظاهر من لباس ولحية وسواك واتباع للسنن أو من محافظتهم علي الصلوات والنوافل أو في معاملتهم الحسنة وأخلاقهم الراقية وحب الناس والسعي في حاجاتهم.
بل وجدت من عاش بينهم وعاشرهم تأثر بهم وصار مثلهم أو ضاق بهم وغادرهم. فالمدينة كما يقول الحديث تنفي خبثها
 
قد تجد القليل ممن يخالفون ما وصفت تشعر بهم فور رؤيتهم كما تري البقعة السوداء في الثوب الأبيض وتحس بنشوزهم واختلافهم عما هو سائد ولعلك إن بحثت عنهم وجدتهم من غير أهلها.
أحب مدينة النبي صلي الله عليه وسلم بعضاً من حبي له لمدحه إياها وإصراره علي البقاء فيها حتي توفاه الله.
 
وأحب أهلها لأنهم نصروه وآزروه وضحوا في سبيل دينه فاختارهم علي أهله وأكد انه سيسلك شعبهم إن اتخذوا لهم شعباً غير شعب الناس.
وأحب أهل المدينة الآن لأن فيهم من ريح أبائهم الأنصار وخلقهم ومن أثر دعاء النبي صلي الله عليه وسلم بالرحمة.
 
واعتبر حبي هذا بعضاً من إيماني والتزامي هدي نبي الكريم الذي قال فيهم “آية الإيمان .. حب الأنصار ” .. وادعوا الله أن يحشرني معهم وإن لم أعمل بأعمالهم.

التعليقات

موضوعات ذات صلة