القائمة إغلاق

الاستحسان


بقلم فضيلة الشيخ / أسامة حافظ
هو أحد القواعد الاصولية العبقرية التي ابتكرها الامام الاعظم ابو حنيفة وشاعت بعده عند الفقهاء وفي هذا يقول صاحبه محمد بن الحسن “إن اصحاب ابي حنيفة كانوا ينازعونه القياس فإذا قال استحسن لم يلحقه أحد، وقد كان يقيس ما استقام له القياس فإذا قبح القياس قال أستحسن “
والاستحسان هو أصل يلجأ إليه الفقيه لكيلا يؤدي الإغراق في القاعدة والتعسف في الاجتهاد الي الابتعاد عن الشرع في روحه ومعناه .. بمعني أنه ينبغي علي الفقيه ألا يغيب عنه الالتفات الي مقصود الشارع وهو المصلحة والعدل فإذا وجد مصلحة مهملة أو مضيعة فالاستحسان يقتضي أن يجتهد ليقرر مايعيد الاعتبار لتلك المصلحة وإذا وجد ضررا فيستحسن أن يعيد الاجتهاد ليمنع ذلك الضرر وإذا وجد قياسا خرج علي خلاف مقصود الشارع فليعلم أنه قياس غير سليم وليجدد النظر فيه
والآن ماهو الاستحسان وماهي أقسامه وماهو موقف الفقهاء منه ؟
في البداية قصرت عبارات الفقهاء عن وضع تعريف- حد- ضابط له حتي أن أحدهم عرفه بأنه ” دليل ينقدح في نفس المجتهد وتقصر عنه عبارته” وهو تعريف كما لايخفي لايمكن التسليم به ولاقبوله إذ لايمكن الحكم له مالم تظهر دلالته لذا فإن الشافعي رفض هذا المعني وقال ” من استحسن فقد شرع ” إذ أن مفهوم الكلام أنه حكم بمجرد العقل أو الهوي
ومع تداول مسائله ومحاولة ضبط حده كثرت تعريفاته وتطورمفهوم دلالته وكانت التعريفات تدور حول أمرين 
1- ترجيح قياس خفي علي قياس جلي بناءا علي دليل
2- استثناء مسأله جزئية من أصل كلي أو قاعدة عامة بناءا علي دليل خاص يقتضي ذلك 
وكان تعريف الكرخي- كما قال العلامة أبو زهرة- من أحسن ماقيل في ذلك ” هو العدول في مسألة عن مثل ماحكم به في نظائرها الي خلافه لوجه هو أقوي منه”
وفي هذا يقول الشيرازي الشافعي في تعريف الكرخي ” فإن كان مذهبهم – الاحناف- علي ما قال الكرخي هو القول بأقوي الدليلين فنحن نقول به وارتفع الخلاف ” وبمثل هذا قال الغزالي ذاكرا أن هذا مما لاينكر وبذلك انتفي الخلاف حول قبول الاستحسان بين الأئمة وقد أقر بحجيته الأئمة الثلاثة بينما رفضه الشافعي وان كان استعمله بغير اسمه في مواضع كثيرة
أنواع الاستحسان 
1- الاستحسان بالكتاب وذلك مثل الوصية إذ هي تمليك مضاف لما بعد الموت – وقت زوال الملك- 
2- استحسان بالسنة مثل بيع السلم وبيع العرايا إذ هي تخالف القواعد العامة في البيوع في النهي عن بيع الغائب وبيع الطعام بالطعام 
3- استحسان بالاجماع مثل عقد الاستصناع وتضمين الاجير المشترك 
وهؤلاء الثلاثة انما استثناؤهم بالدليل –النص والاجماع- ويمكن القول بأنهم يصلحون للاستدلال علي مشروعية قاعدة الاستحسان في ذاتها اذ الشارع الحكيم قد قضي بها فيما سبق 
4- الاستحسان بالعادة أو العرف مثل استئجار الحمام العام بأجر معين دون الاتفاق علي كمية المياه المستخدمة أو مدة الاستعمال 
5- الاستحسان بالضرورة مثل الحكم بطهارة الآبار بعدما نجست والحكم بعدم الفطر بالدخان والغبار الداخل غصبا الي الجوف وكلاهما خالفا القياس من أجل الضرورة ولرفع الحرج
6- الاستحسان بالمصلحة مثل الحكم بتضمين الاجير المشترك مايهلك عنده من أمتعة الناس لحفظ أموالهم 
7- الاستحسان بالقياس الخفي مثل الحكم بإثبات حق المرور وحق الري في الاراضي المشتراة والموقوفة
وبعد 
فالشارع الحكيم قد نفي الحرج عن أحكام الشرع وما أمرنا الا بما نطيق وما تيسر من كل أمر فكان طبيعيا أن يدرك فقهاؤنا ماحملت الشرعية من تحقيق لمصالح العباد ورفع الحرج عنهم ونفي الضرر وذلك من خلال النظر في مآلات الاشياء والترجيح بين المصالح والمفاسد واستبعاد الحكم عند انتفاء علته لذلك قال الامام مالك “ان الاستحسان هو تسعة أعشار العلم لخفائه علي من لم يتأن من الفقهاء ” والوقوف عند ظاهر الحكم دون التأمل في مآلاته من قصور فهم الفقيه

التعليقات

موضوعات ذات صلة