من صفحة الشيخ اسامه حافظ
قال الشيخ أبو جعفر حفظه الله تعالى ونفعنا به
ذكر فضيلة الشيخ ابن عثيمين وغيره أن ما تفعله العامة من قراءة الفاتحة في عقد النكاح بدعة لا أصل له، وهو إطلاق غير مرضي فإن قضية عدم الورود إن قصد بـها أنه لم يرد به نص خاص فصحيح وإلا فلا.
لأن العموم كاف في مثل هذا وإلا انسد باب الاجتهاد، ولا سيما أن قراءة الفاتحة من تتمات العقد والعامة تقصد بـها التبرك والتفاؤل بتمام العقد وإنجاحه وطرد العين، وقد أخرج أبو الشيخ الأصبهاني في (الثواب) عن عطاء قال: (إذا أردتَ حاجة فاقرأ بفاتحة الكتاب حتى تختمها تُقضى إن شاء الله) قال الملا علي القاري: (هذا أصلٌ لِمَا تعارفَ الناسُ عليه من قراءة الفاتحة لقضاء الحاجات وحصول الـمُهِّمّات).
وأخرج أبو عبيد عن مكحول قال: (أمُّ القرآن قراءةٌ ومسألةٌ ودعاءٌ) وأخرج إسحق عن علي عليه السلام قال: (فاتحة الكتاب وآية الكرسي لا يقرؤهما عبدٌ في دار فيُصيبهم ذلك اليوم عينُ إنس ولا جن) فهذه الآثار أصل في استحباب قراءة الفاتحة في كل الأمور ومنها النكاح.
وقد ذكر العلامة يوسف بن حسن ابن عبد الهادي المقدسي الحنبلي المعروف بابن الـمِبْرَد في جزئه الذي أفرده في الاستعانة بالفاتحة عن بعض العلماء أنه استنبط استحباب قراءة الفاتحة في كل الأمور والاستعانة بـها في قضاء الحوائج بالحديث الصحيح: (قسمتُ الصلاة بيني وبين عبدي..) الحديث وفيه: (فإذا قال غير المغضوب عليهم ولا الضالين) قال الله: (هذا لعبدي ولعبدي ما سأل) فإنه عام ظاهر في تقرير هذا المعنى.
وأما حديث (الفاتحة لما قُرئت له) فلا أصل له بـهذا اللفظ كما أفاده السخاوي والسيوطي، ومعناه في (الصحيح) كما قاله الزركشي وغيره، وهو ما تقدم التنبيه عليه من دلالة حديث (هذا لعبدي ولعبدي ما سأل).
ومن لطائف الأخبار ما ذكره الشيخ التُّنبكتي عن العلامة المنجور أن الشيخ عبد الرحمن بن علي القصري المعروف بسقين كان يُنكر على من يقرأ الفاتحة للناس أو يطلبها، ويقول: إنـها بدعة لم ترد في حديث، ثم إنه رُئيَ بعد موته، فسُئل عن ذلك فرجع عنه.!
ومن هنا قال الشيخ زرّوق: ما اعتاده أهلُ الحجاز واليمن ومصر ونحوهم من قراءة الفاتحة في كل شيء لا أصل له –يقصد: أصلاً خاصاً ورد به- لكن قال الغزالي في الانتصاف: فاستنزل ما عند ربك وخالقك من خير، واستجلب ما تؤمّله من هداية وبرّ، بقراءة السبع المثاني المأمور بقراءتـها في كل صلاة، وتكرارها في كل ركعة، وأخبر الصادق المصدوق أن ليس في التوراة ولا في الإنجيل والفرقان مثلها، وفيه تنبيه بل تصريح أن يُكثر منها لما فيها من الفوائد والذخائر.
وقد حكى ابنُ الـمِبْرَد عن شيخه الأستاذ أبي الفرج بن الحبّال أنه كان يستعين بقراءة الفاتحة في قضاء كل أموره الدنيوية والأخروية، قال: (وقد شاهدتُ أنا من نجاح الأمور بـها شيئاً عظيماً، فعليك رحمك الله بالإكثار منها على أمورك وحوائجك وأدْوائِك ومُهمّاتك وكل ما عرض لك، وتأمّلْ ذلك تجد منه ما يظهر لك).