القائمة إغلاق

من كتاب نحو تفكير شرعي رشيد للدكتور عصام دربالة مخاطر إهمال فقه الواقع

لإهمال فقه الواقع مخاطر كثيرة متنوعة ،يأتى الخطأ فى تنزيل الأ حكام الشرعية على الأحداث الجارية فى مقدمة هذه المخاطر ؛ لأنه – كما نعلم – هناك ارتباط وثيق بين الحكم الشرعى والواقع المعاش
الذي يراد تنزيل الحكم الشرعى عليه وأن الخطأ فى فقه الواقع يترتب عليه الخطأ فى تحديد الحكم الشرعى الصحيح المناسب له .
وبالإضافة إلى ذلك فإن إهمال فقه الواقع يعنى عدم التنبه المبكر للأخطار المحيطة وعدم اقتناص الفرص السانحة ، والخلط بين الممكن والمستحيل ؛ ومن ثم الفشل فى ترتيب الأولويات الصحيحة والمواقف الرشيدة ، واختيار الحلول غير المجدية عبر السعى لبعث حلول ناجحة من زمان سابق لا ستنبات ها فى واقع مغاير وبيئة غير مواتية ،وكل هذا يعنى مزيدا من الهدر فى الجهد والإمكانات والأوقات
والمخاطر السابقة تبين أن فقه الواقع ليس ترفا يسعنا تركه إنما هو في الحقيقة فريضة إسلامية وسيرة نبوية وقاعدة أصولية وحالة راسخة فى عقول علماء الأمة وأئمتها عبر القرون الماضية .
ولذلك عندما قرر علماء اصول الفقه قاعدتهم الشهيرة التي يقولون فيها : (( إن الحكم الشرعي علي الشئ فرع عن تصوره )) كانوا يؤكدون بذلك علي تلك العلاقة الارتباطية بين الحكم الشرعي والواقع
الذي سيحكم عليه ، حيث لا ينبغي أن يصدر حكم علي شئ معين إلا بع د التعرف علي ماهية ذاته ، وما يحيط به من أحوال في إطار الزمان والمكان في لحظة إصدار الحكم .
وهذه القاعدة يوضحها الإمام ابن القيم باقتدار في قوله (( لا يتمكن المفتي ولا الحاكم من الفتوي والحكم بالحق إلا بنوعين من الفهم:
أحدهما : فهم الواقع والفق ه فيه و استنباط حقيقة ما وقع بالقرائن والأمارات والعلاقات حتي يحيط بها علما .
والنوع الثاني : فهم الواجب في الواقع ، وهو فهم حكم الله الذي حكم به في كتابه أو علي لسان رسوله صلي الله عليه وسلم في هذا الواقع ،ثم يطبق أحدهما علي الآخر فمن بذل جهده واستفرغ و سعه في ذلك لم يعدم أجرين أو أجراً ( ١)ا.ه))
والحقيقة أن ما قرره هؤلاء العلماء يمثل استنباطا دقيقا من نصوص الكتاب والسنة التي تظاهرت علي وجوب استيعاب الواقع بتفصيلاته قبل تنزيل الحكم الشرعي عليه أو بعبارة أخري ضرورة فقه الواقع قبل
إصدار الأحكام أو اتخاذ القرارات ورسم الاسترتيجيات.

التعليقات

موضوعات ذات صلة