شوارد الذكريات\” الاجتهاد والتقليد بين الجمود والتجديد \”
بقلم: المهندس أسامه حافظ
لم تكن قضية الاجتهاد والتقليد في فروع الفقه مطروحة بإلحاح في بدايتنا مع العمل للدين..وكان الذين يدرسون الفقه منا فريقين فريق يدرس على نهج مدرسة الحديث من كتب نيل الأوطار للشوكاني أو سبل السلام للصنعاني وفريق يدرس على نهج مدرسة فقه المذاهب من كتاب كفاية الأخيار الشافعي أو الهداية الحنفي أو غيره.
* وكنا نجتمع على التدريس من فقه السنة للشيخ سيد سابق في معسكراتنا وملتقياتنا وكنا نحب أراء ابن تيمية في فتاواه الكبرى والمصرية هذا كان طابعنا العام في الدرس مشفوعا باحترام وتقدير كبير لعلماء السلف والخلف فلا يقدر أحدنا على نقل رأي فقهي من نص شرعي بدون أن يشفعه بمن يؤيد قوله من أهل العلم ولا ينشأ خلاف فقهي فيسوق أحد طرفيه نصاً لأحد العلماء المعروفين إلا حسم هذا النص الخلاف مهما كان .
* ثم لما دخلنا السجن طرحت هذه القضية لما هممنا بوضع برامج تعليمية ندرس فيها سوياً العلوم الشرعية وفيها الفقه ضمن ما كنا ندرس من علوم في برامجنا (كنا ندرس إلى جانب العلوم الشرعية طائفة متنوعة من العلوم مثل علوم اللغة والإدارة والقانون والاقتصاد والمنطق وغيرها).
* وأصر كل فريق أن يدرس الجميع ما كان يدرس من كتب فاتفقنا أن يعكف بعضنا علي إعداد دراسة أصولية في هذا الموضوع نلتزم جميعاً بنتيجتها .. وبالفعل كُلف الشيخ طلعت فؤاد ومعه فريق عمل بإعدادها.
وهكذا أعدت الدراسة فيما لا يقل عن خمسمائة صفحة تم اختصارها بعد ذلك وانتهت إلي أهمية وفائدة الدراسة على كتب المذاهب وأنه لا حرج في ذلك وقد عرضت الدراسة على الدكتور عمر عبد الرحمن فأقرها وكتب تعليقاً عليها في نهايتها ـ وبدأنا بالفعل في دراسة كتب الحنابلة باعتبارهم مذهباً وسطاً بين أهل الحديث وأصحاب المذاهب ليسهل على كلا الطرفين الدراسة فيه ولكننا ذكرنا ساعتها أن اختيار المذهب في غير هذه الظروف للدراسة مرتبط بتوافر المراجع والشيوخ وحلق العلم كل حسب حاله وليس المذهب الحنبلي مذهباً للجماعة يلتزم به كل من يريد الدرس .
* بل أن بعض الأخوة درس إلى جانب المذهب الحنبلي الذي درسناه جميعا بتوسع كبير غيره من المذاهب كالمذهب الشافعي والمذهب الحنفي وغير ذلك حتى صار بعض الإخوة متبحراً في تلك المذاهب إلى جانب تبحره في المذهب الحنبلي .
ولا يخفي أن هذه الدراسة أنهت جدلاً وخلافاً كان يمكن أن ينشأ داخل الجماعة في أيامها الأولى في السجون وجمعت الناس على كلمة واحدة .
وقد انقسمت الدراسة إلى مبحثين رئيسين الأول عن التقليد وهو قرابة المئة وخمسين صفحة بعد اختصاره والآخر عن الاجتهاد وهو أكبر من سابقه قليلاً .
* وقد تناول المبحث الأول من خلال عدة فصول مسائل التقليد المنتشرة في كتب الأصول مستنداً فيها إلى النصوص الشرعية ورؤى العلماء في تأويلها واجتهاداتهم مرجحاً منها ما كان أقرب إلى النصوص ونهج السلف الصالح حيث بين ما هو التقليد والإتباع ومتى يجب ومتى يحرم ثم انطلق في مسائل التقليد مثل شروط العالم المقلد والمفاضلة بين العلماء وأيهم أولى بالتقليد وغير ذلك من مسائله .
وبالمثل كان بحث الاجتهاد بدأه بتعريفه ومفهومه ومواصفات المجتهد العلمية والخلقية والمسائل المجتهد فيها والمسائل التي لا تحتمل الاجتهاد ومتى يقلد المجتهد ومتي يحرم وغير ذلك من مسائله بالتفصيل المناسب.
* ولا يخفي أن هذه الدراسة قد نظمت تعلم الفقه بين أخوة السجن وجمعتهم على نظام واحد يلتزمونه إلا أن الدكتور عمر والإخوة معه رأوا عدم نشر هذه الدراسة حتى لا يفرض على أبناء الجماعة نظام معين في التعلم ظانين أن هذا البحث هو بعض من منهج الجماعة الملزم .. ولكي تنفتح أمام الجميع أفاق التعلم دون قيد ودون حصر في كتب معينة أو نهج معين .
* ورحم الله العقاد وقد سأله أحدهم ماذا يقرأ فقال له” إن المريض هو الذي يحدد له الطبيب ما يأكله وما لا يأكله أما الإنسان السوي فإنه يأكل كل شيء “.
وكذا الإنسان السوي لا ينبغي أن يحدد له ما يدرس وما لا يدرس وإنما يقرأ كل ما يريد وعلى عقله أن يعمل فيما يقرأ فيقبل هذا ويرد هذا.
* قد تضطر لوضع نظام لضبط منهج التعليم في مدرسة أو معهد للعلم أو لمجموعة تتوجه لدراسة معينة لكن هذا لا يعني تقييد الفرد في قراءته ودرسه على العموم مسترشداً إن احتاج بأفكار وتوجيهات أهل الخبرة والسبق في مجال دراسته.
فنحن نحترم ونقدر مدارس الفقه المختلفة وجهد علمائها الجبار في تقعيد وتنظير مناهج العلم لكن هذا لا يعني تعصباً لمدرسة دون مدرسة ولا حرباً على مذهب دون الآخر وإنما نقدر الجميع فكلهم مقتبس من نبع واحد وكلهم أعمل فكره وبذل جهده وكلهم مأجور إن شاء الله أصاب أو أخطأ .
هكذا كنا قبل السجن وهكذا صرنا بعده ونسأل الله الهداية .