الإطناب فى القرآن الكريم .
بقلم: الشيخ على محمد علي الشريف
الإطناب هو زيادة اللفظ على المعنى لفائدة .
أما التطويل والحشو فهو زيادة اللفظ على المعنى لغير فائدة .
والإطناب يأتى لأغراض كثيرة منها .
(1) — الإيضاح بعد الإبهام ، والتفسير بعد الإجمال ، ليكون المعنى فى صورتين مختلفتين ، ليتمكن فى النفس أحسن تمكن ، فإن المعنى إذا ألقى على سبيل الإجمال والإبهام ، تشوفت نفس السامع إلى معرفته على سبيل التفصيل والإيضاح ، ومن الأمثلة على ذلك قول الله تعالى : ( إن الإنسان خلق هلوعا إذا مسه الشر جذوعا وإذا مسه الخير منوعا ) فكلمة (هلوعا) مبهمة ومجملة ، ثم وضح هذا الإبهام وفسر هذا الإجمال بقوله : ( إذا مسه الشر جذوعا وإذا مسه الخير منوعا) أى إن الإنسان إذ أصابته مصيبة ، لا يستطيع الصبر عليها لضعفه ، وإذا رزقه الله رزقا واسعا ، بخل بما عنده ولم ينفق .
وكقول الله تعالى : ( إن للمتقين مفازا حدائق وأعنابا وكواعب أترابا وكأسا دهاقا ) فقد جاءت كلمة (مفازا) مبهمة مجملة ، ثم جاء بعدها بما أزال هذا الإبهام وهذا الإجمال ، وهو قوله تعالى : ( حدائق وأعنابا وكواعب أترابا وكأسا دهاقا) والكواعب من النساء هن ذوات الثدى المرتفع المستدير الحسن ، و (أترابا )أى متساويات فى السن ، و (كأسا دهاقا) أى كأسا ممتلئة .
(2) — الإطناب بذكر الخاص بعد العام ، وذلك للتنبيه على فضل الخاص .
وذلك كقوله تعالى : ( من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال فإن الله عدو للكافرين) فذكر الله أولا العام وهم الملائكة ثم خص من الملائكه جبريل وميكال ، ليبين المكانة العظيمة لجبريل وميكال بين الملائكة ، وذلك لأن اليهود لعنهم الله قالوا : إن جبريل – عليه السلام – عدو لهم ، لأنه بعث بالحرب والخراب والدمار ، وأن ميكائيل حبيبهم لأنه بعث بالسلام والرخاء والأمن ، فأخبر الله تعالى أن جبريل وميكائيل من أكابر الملائكة ، والذى يعادى واحدا منهما فقد عادى الله والرسول والملائكة جميعا ، ومن فعل ذلك فهو من الكافرين .
ومن ذكر الخاص بعد العام قوله تعالى : ( حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين ) أى حافظوا على الصلوات كلها وخاصة الصلاة الوسطى وهى صلاة العصر عند جمهور العلماء ، أعطوها مزيد اهتمام ، فالصلوات (عام) والصلاة الوسطى (خاص )وذكر الخاص بعد العام ليبين أهمية الخاص .
(3) — الإطناب للتوكيد .
كالتكرار فى قوله تعالى (كلا سوف تعلمون ، ثم كلا سوف تعلمون) فالتكرار هنا أفاد توكيد التهديد والإنذار .
(4) قد يكون الإطناب للاحتراس .
فقد يؤدى الكلام إلى فهم غير مقصود ، فيأتى المتكلم بالإحتراس ، ليدفع هذا الفهم الخاطئ .
وذلك كقوله تعالى : (فسوف يأتى الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين ) .
فإنه لو اقتصر على وصفهم (أذلة على المؤمنين) لأوهم ذلك أن ذلتهم لضعفهم ، فلما قال : ( أعزة على الكافرين ) ظهر أن ذلك تواضع منهم ، لا عن ضعف ، لذا استخدم حرف الجر (على) الدال على العلو ، أى مع علو مكانتهم ، وارتفاع قدرهم ، هم أذلاء على إخوانهم المؤمنين .
وكقوله تعالى : ( محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم ) .
فلما قيل ( أشداء على الكفار ) خيف أن يظن ذلك لغلظ قلوبهم وشدة طبائعهم ، فقيل (رحماء بينهم) ، فعلم أن هذه الشدة ليست لقسوة وفظاعة قلوبهم ، بل لحبهم لدينهم وغيرتهم عليه ودفاعا عنه .
وللحديث بقية إن شاء الله .