الإسلام وقضايا المرأة(5)
بقلم: د. عصام دربالة
المبحث الثالث
مهمة المرأة خارج بيتها في خدمة مجتمعها
لا شك أن جهد وعطاء المرأة قد يتسع لأداء ما هو فوق مهمة الأمومة والزوجية، ولاشك أن هناك بين النساء من تتميز بفكر ثاقب, أو بملكات مبدعة, وقد تتفوق في ذلك على الكثير من الرجال, ولا شك أيضًا في أن المرأة قد تمر عليها أوقات تضطر فيها للعمل خارج بيتها من أجل الوفاء باحتياجاتها أو احتياجات أسرتها, ولا شك أيضًا في أن المجتمع تمر عليه بعض اللحظات التي تستوجب استنفار جهود كل أبنائه رجالًا كانوا أو نساءً ومن أجل كل هذا كان من الطبيعي أن تتسع الرؤية الإسلامية لدور المرأة كي تشمل كل ذلك ولتلبي كل هذه الاحتياجات, فعندما حدد الإسلام للمرأة وظيفتها الأساسية كأم وزوجة لم يغفل -وقد أباح للمرأة حق العمل– التعامل مع الظروف غير الطبيعية, والإسلام واقعي[1] يضع حلولًا للظرفين الطبيعي وغير الطبيعي ومن ثم فإن الله سبحانه وهو خالق الخلق، وخالق تلك الأحوال وهذه الظروف كان يعلم أن هناك ظروفًا قد تستوجب خروج المرأة عن وظيفتها الأساسية مجبرة ومكرهة, تارة تلك الظروف تجبرها على العمل خارج منزلها لحاجتها ولمصلحتها ولمصلحة أسرتها, وتارة أخرى ليكون الخروج تلبية لحاجة مجتمعها وحاجة نوعها, وقد تضطر الحاجة المرأة للعمل خارج منزلها حينما تفقد عائلها وتصير مسئولة عن إطعام نفسها وأطفالها فهنا الإسلام يبيح لها ذلك دون تردد, وقد تكون حاجة بنات جنسها أن تسند إليها أعمالًا معينة مثل تعليم الفتيات, وتطبيب النساء وما شابه ذلك وهنا لا حرج بل هذا واجب عليها, وقد تكون حاجة المجتمع إلى جهودها كي تقوم ببعض الأعمال في وقت الأزمات أو حين انشغال الرجال في مواقع القتال، وميادين التضحية والفداء وهذا لا حرج أيضًا فيه؛ بل هو واجب عليها, لكن في كل ذلك تخرج المرأة للعمل خارج بيتها ملتزمة بما فرضه الإسلام عليها من أحكام, تظل هذه الحالة المرتبطة بالحاجة أو الضرورة هي الاستثناء لا الأصل والضرورة تُقدر بقدرها, فإذا انتفت مبرراتها عاد الأصل, ولا يصح لحالة الضرورة التي تستوجب خروج المرأة عن مهمتها الأصلية أن تتضافر الجهود لإبقائها واستدامتها وإقامة الشرائع والقوانيين لتثبيتها؛ فهذا أمر لا يصح بحال؛ بل يجب أن تتضافر الجهود لتصحيح تلك الأوضاع، وإعانة المرأة على التفرغ لمهامها الأساسية والتي خلقت لها.
وبالإضافة لذلك فقد فتح الإسلام أمام المرأة أبواب العمل الخيري، ومنظمات المجتمع المدني, والمشاركة في هموم مجتمعها والإدلاء بدلوها في مواجهة تلك الهموم؛ لكن شريطة ألا يكون في ذلك إخلال بوظيفتها الأساسية كأم وزوجة كما لا ينبغي أن تتم هذه المشاركة بصورة تهدر أحكام الإسلام التي يجب على المرأة رعايتها حال خروجها من منزلها.
إطلالة على مشاركة المرأة في بناء مجتمع النبوة:
وإذا ما أردنا بيانًا لأبعاد الدور الذي أتاحه الإسلام للمرأة للمشاركة في حمل وحل هموم المجتمع فلن نجد خيرًا من إطلالة[2] سريعة على بعض إسهاماتها التي شهدها المجتمع المسلم الذي عاصر النبي صلى الله عليه وسلم وعايشه.
أولاً: المشاركة بإبداء المشورة للقيادة:
ولنبدأ بالمشورة التي قدمتها السيدة أم سلمة لزوجها صلى الله عليه وسلم بعد توقيع صلح الحديبية حينما دخل عليها متألما من عدم استجابة أصحابه لأمره بالإحلال من إحرامهم بحلق شعورهم ونحر هديهم إيذانا بالعودة إلى المدينة فقالت له أم سلمة: مالك يا رسول الله؟فلم يرد, فكررتها عدة مرات حتى قال صلى الله عليه وسلم ([3]): هلك المسلمون: أمرتهم أن ينحروا ويحلقوا فلم يفعلوا, فقالت أم سلمة: “يا رسول الله لا تلمهم فإن داخلهم أمرًا عظيمًا مما أدخلت على نفسك من المشقة في أمر الصلح ورجوعهم بغير فتح يا نبي الله اخرج ولا تكلم أحدا منهم, وانحر هديك واحلق رأسك ففعل رسول الله ذلك وقام المسلمون فنحروا وحلقوا”.
وكأني برسول الله صلى الله عليه وسلم يرد على قول القائل: شاورهن ثم خالفوهن.
ثانيًا: المشاركة في التعلم والتعليم والإفتاء:
ويذكر أبو موسى رضي الله عنه: “ما كان أصحاب رسول الله يشكون في شيء إلا سألوا عنه عائشة فيجدون من ذلك عندها علما”.
ويروي البلاذري في فتح البلدان: أن الشفاء العدوية هي سيدة من بني عدي رهط عمر بن الخطاب كانت كاتبة في الجاهلية وكانت تعلم الفتيات, وأن حفصة بنت عمر أخذت عنها القراءة والكتابة قبل زواجها بالرسول×, فلما تزوجها طلب من الشفاء أن تتابع تثقيفها وتعليمها تحسين الخط وتزيينه, وفي هذا تقول الشفاء: دخل علي النبيوأنا عند حفصة بنت عمر فقال لي: “ألا تُعلِّمينَ هذِهِ رُقيةَ النَّملةِ كَما علَّمتيها الكِتابةَ”[4], ويقصدبرقية النملة تحسين الخط وتزيينه, ويكفي أن نعلم أن الإمام الحافظ بن عساكر المتوفى في سنة إحدى وسبعين وخمسمائة من الهجرة, كان له من بين شيوخه وأساتذته بضع وثمانون من النساء.
ثالثًا: المشاركة بتمثيل النساء لدى القيادة:
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: “جاءت النبي صلى الله عليه وسلم امرأة فقالت: إني رسول النساء إليك, وما منهن امرأة علمت أو لم تعلم إلا وهي تهوى مخرجي إليك, الله رب النساء والرجال وإلههن وأنت رسول الله تعالى إلى الرجال والنساء, كتب الله الجهاد على الرجال فإن أصابوا أثروا وإن استشهدوا كانوا أحياء عند ربهم يرزقون فما يعدل ذلك من أعمالهم من الطاعة؟ قال طاعة أزواجهن, والمعرفة بحقوقهن, وقليل منكن من يفعله”[5].
رابعًا: المشاركة في الدفاع عن العقيدة والوطن:
إذا ما ذكرت حادثة هجرة رسول الله × إلى المدينة فلا يمكن أن ننسى دور السيدة أسماء بنت أبي بكر فيها, فقد ضربت مثلًا رائعًا في القيام بواجب الدفاع عن قائد الأمة الإسلامية وكانت أحد عناصر نجاح خطة الهجرة المباركة.
ولا يمكن في هذا الصدد إغفال دلالة قوله تعالى:(فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ)[6].
ويقول الشيخ رشيد رضا[7] في تفسير الآية: وفي الآية ما نرى من الحكم بمشاركة النساء للرجال في الاجتماع للمباراة القومية والمناضلة العقيدية وهو مبني على اعتبار المرأة كالرجل حتى في الأمور العامة إلا ما قد استثنى منها ككونها لا تباشر الحرب بنفسها بل يكون حظها من الجهاد خدمة المحاربين كمداواة الجرحى, وقد علمنا مما تقدم أن الحكمة في الدعوة إلى المباهلة هي إظهار الثقة بالاعتقاد واليقين فيه.
وقد حفلت غزوات رسول الله صلى الله عليه وسلم بمشاركة بعض الصحابيات فيها للقيام بأعمال تطبيب الجرحى ورعايتهم دفاعًا عن العقيدة والوطن.
روى مسلم في صحيحه عن أنس رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغزو بأم سليم ونسوة من الأنصار معه إذا غزا فيسقين الماء ويداوين الجرحى).
خامسًا: المشاركة في النشاط الاقتصادي وإدارة الأعمال:
لما كان للمرأة في الإسلام ذمة مالية مستقلة عن غيرها كان طبيعيًا أن تمارس أعمالًا اقتصادية خاصة بها, وتعمل في كافة أوجه النشاط الاقتصادي دون تثريب أو لوم, وهل ننسى أن السيدة خديجة بنت خويلد أم المؤمنين وزوجة النبيالأثيرة لديه كانت سيدة أعمال تقوم بإدارة تجارتها حتى عهدت بذلك للنبيقبل البعثة ثم تزوجته, كما تحفل كتب الحديث بأحاديث تدل على مباشرة بعض الصحابيات أعمال مختلفة من أعمال البيع أو الزراعة لتحسين الكسب الحلال.
فعن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قال: طلقت خالتي فأرادت أن تجد نخلها فزجرها رجل أن تخرج فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: “بلى فجدي نخلك فإنك عسى أن تصدقي أو تفعلي معروفا”[8].
ولم يطلب الإسلام منهن شيئًا سوى التخلق بأخلاقه والانضباط بأحكامه عند ممارسة تلك الاعمال.
سادسًا: المشاركة في العمل الخيري:
حث الإسلام الرجال والنساء على حد السواء على فعل الخيرات وخاطبهم جميعًا “فاستبقوا الخيرات” وحفزهم على الصدقة فاستجبن لذلك وتفانى بعضهن فيه, فهذه السيدة زينب بنت جحش زوجة النبي صلى الله عليه وسلم كانت تعمل بيدها ثم تبيعه لتتصدق به على الفقراء والمساكين, وهذه امرأة فقيرة كانت تتعهد المسجد بالنظافة في كل صباح, وهذه السيدة عائشة رضي الله عنها وزوجة النبي صلى الله عليه وسلم يأتيها المال الوفير فتوزعه على الفور حتى لا يبقى منه شيء.
سابعًا: المشاركة في المناسبات الاجتماعية والترويح المباح:
حث الإسلام على التواصل وتقوية الروابط بين الناس عامة والمؤمنين خاصة في إطار من الانضباط بضوابط الشريعة الغراء, ومن ثم كان النساء يحضرن صلاة العيدين, ويشاركن في الأعراس, ويسمعن حداء الإبل, ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنجشة –حادي الإبل-:“رفقا بالقوارير”, ويدخل أبوبكر الصديق رضي الله عنه في يوم عيد على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده جاريتان تغنيان بما تقاولت به الأنصار يوم بعاث فقال أبوبكر: (أَبِمَزْمُورِ الشَّيْطَانِ فِي بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ وَذَلِكَ فِي يَوْمِ عِيدٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: يَا أَبَا بَكْرٍ إِنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ عِيدًا وَهَذَا عِيدُنَا)[9].
وقد علم رسول الله صلى الله عليه وسلم أمته حق النساء في ممارسة ومشاهدة الترفيه المباح عندما سابق السيدة عائشة فسبقته مرة ثم في مرة أخرى سبقها.
وقال لها: هذه بتلك, وجعل السيدة عائشة في يوم عيد تقف وراءه لتنظر إلى رجال من الأحباش يلعبون بالحراب في المسجد فلا ينصرف حتى تنصرف هي.
وبعد..
فهذه بعض مشاركات النساء في مجالات الحياة المختلفة في العصر النبوي تبين بجلاء ووضوح الإسهام الفعال للمرأة في التفاعل مع قضايا المجتمع وهو إسهام يثير الإعجاب في ظل تكامل دورها مع دور الرجل في بناء وتقدم الوطن, وهذا الإسهام المتنوع يمثل ردًا بليغًا على من يظن أن الإسلام ضد مشاركة المرأة في الحياة العامة أو من يروج أن الإسلام اعتبر المرأة عورة كلها ينبغي ألا تخرج من دارها إلا للزوج أو للقبر, وأيضًا فيه رد صاعق على من يقول: إن صوت المرأة عورة, لأن النساء كما ذكرنا من قبل كانوا يتكلمون ويسألون في حضرة النبي صلى الله عليه وسلموأصحابه ويقومون بالبيع والشراء ولكن في حدود الآداب الإسلامية, فلا يخضعن بالقول, ولايتكلمن بصورة تثير الفتنة, ولا يزدن عن قدر الحاجة, ويلتزمن بقوله تعالى: (فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا) [10].
وعلى ضوء كل هذا نستعرض أخيرًا ما يمكن أن تشارك فيه المرأة وفقًا للرؤية الإسلامية في مجالات العمل في الحياة المعاصرة.
أدوار المرأة في الحياة المعاصرة:
ينبغي علينا عند النظر في تحديد أدوار المرأة في حياتنا المعاصرة أن ننطلق من:
الأول: ضرورة ترجمة قاعدة (لكل دور يناسبه) في إطار قاعدة تكامل أدوار المرأة والرجل وهذه المهمة يجب أن يتصدى لها المجتمع بأسره في إطار شريعتنا وأخلاق وقيم مجتمعنا.
الثاني: ضرورة عدم إهمال أو نسيان أن دور المرأة في رعاية وبناء أسرتها دور حيوي لبناء حاضر ومستقبل الوطن.
الثالث: ضرورة رصد المشاكل التي تعاني منها المرأة على أرض الواقع وفي كافة المجالات السياسية, الاقتصادية, الاجتماعية, والدينية, والقانونية, وماترسخ في المجتمع من مفاهيم وتقاليد خاطئة تسبب المعاناة الكبيرة للعديد من النساء.
المنطلقات السابقة تفتح الباب على مصراعيه أمام المرأة للعمل في مجالات عديدة نشير إلى أهمها:
1- العمل في مجال العمل الأسري وميدان الطفولة والأمومة.
2- العمل في مجال العمل الخيري والتطوعي من خلال منظمات المجتمع المدني في كافة المجالات بشكل عام, وفي رعاية النساء المعيلات من مطلقات وأرامل ومسنات, وأطفال الشوارع بشكل خاص, خاصة في ظل تزايد نسب هذه الحالات في مجتمعاتنا, فعلى سبيل المثال فإن نسب بعض هذه الحالات في مصر وفقًا لتقرير الجهاز المركزي للتعبئة والاحصاء 2011 تبلغ الآتي[11]:
- ·نسبة المرأة المعيلة 16%.
- ·بلغ عدد حالات الطلاق في عام 2010= 149376 حالة.
- ·نسبة الأمية بين النساء في 2006 37%.
- ·معدل بطالة المرأة 22,6%
3- العمل في المجال الدعوي والإعلامي والإبداعي بالضوابط الشرعية.
4- العمل في المجال الحقوقي والقانوني لحماية حقوق النساء, والوقوف مع من تتعرض منهن لظلم أو اضطهاد, ويدخل في ذلك تحديد القوانين التي تنتقص من بعض الحقوق المشروعة للمرأة, والقوانين التي يجب إصدارها لتقرير وحماية تلك الحقوق.
5- ترسيخ القيم والأخلاق الفاضلة في المجتمع.
6- المشاركة في سد احتياجات المجتمع في الوظائف التي تغطي احتياجات النساء التعليم والطب وغيرها مما يدخل في فروض الكفايات وفقًا للتعبير الفقهي.
7- العمل في مجال التوعية السياسية للمجتمع عامة, والمرأة بشكل خاص بما يعمق الوعي بحقوق المرأة السياسية ويدفعها للمشاركة الفعالة في بناء المجتمع.
هذه بعض مجالات العمل المفتوحة أمام المرأة تحتاج منها أن تلجها على هدى من شريعتنا وأخلاق وقيم مجتمعاتنا.
ولايمكن أن نغادر الحديث عن أدوار المرأة وحقوقها دون التعرض لبعض المسائل المتعلقة بها, وهو ما سنستعرضه سريعًا:
القضية الأولى: المرأة وممارسة حق الانتخاب:
لا شك في أن الإسلام أعطى المرأة حق المشاركة في اختيار من يمثلهن من الرجال أو النساء, أومن يتولى أي منصب أو سلطة أو عضوية لمجلس يتم من خلال الانتخابات, وهذا من جملة الأمر بالمعروف, والدلالة على الخير والنصيحة, وهذه أمور حثت عليها الشريعة النساء والرجال على حد سواء, وهنا مافعله الصحابي الجليل عبدالرحمن بن عوف عندما اختاره من رشحهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه لتولي الخلافة من بعده ليختار واحدًا من اثنين: عثمان بن عفان أو علي بن أبي طالب رضي الله عنهما فنهض عبدالرحمن بن عوف كما يذكر الإمام ابن كثير يستشير الناس فيهما -أي علي وعثمان- حتى خلص إلى النساء المخدرات في حجالهن”.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: بقى عبدالرحمن بن عوف يشاور النساء ثلاثة أيام, وأخبر أن الناس لايعدلون بعثمان, وأنه مشاور حتى العذارى في خدورهن” ولولا أن للنساء حقًا في إبداء الرأي فيمن ينتخب للخلافة وإن لرأيهن تأثيرًا في اختيار الخليفة لما سألهن عبدالرحمن عن رأيهن في عثمان وعلي.
القضية الثانية: قضية ترشيح المرأة للمجالس النيابية:
لما كانت المجالس النيابية تدور اعمالها حول أمرين هما: التشريع والمراقبة لأعمال الحكومة والموازنة العامة, فإن المرأة غير ممنوعة شرعًا من مباشرة أمور الاجتهاد والاستنباط للأحكام الشرعية والإفتاء, وأيضًا من حقها مراقبة أعمال الوزراء ومعارضتهم وهو من جنس الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي تستوي فيه المرأة مع الرجل في حق ممارسته, ومن ثم فإن للمرأة الترشح لعضوية المجالس النيابيه طالما التزمت بالأحكام الشرعية في الخروج وضوابط ومخالطة الرجال, ولقد ذهب بعض العلماء إلى المنع من ذلك استنادًا لمبدأ سد الزريعة من الوقوع في الاختلاط المحرم وغيره اعتمادًاعلى أنه لا ولاية للمرأة على الرجل وأن الله أمر النساء بالبقاء في بيوتهن لقوله تعالى: “وقرن في بيوتكن”, وهذه الأدلة التي يستدلون بها لا تصح في المنع لأن الذين يجيزون ذلك اشترطوا الإلتزام بما يمنع الفتنة والوقوع فيها, ولأن الآية المذكوره موجهة لأمهات المؤمنين وباقي الآية “وقرن في بيوتكون” تدل على جواز الخروج من البيوت لأغراض صحيحة وذلك في قوله تعالى: “ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى” والنهي عن التبرج لا يكون إلا عند الخروج من البيت, كما أن وجود بعض النساء في المجالس النيابية في ظل أغلبية من الرجال تمنع تصور وجود حالة من الولاية للمرأة على الرجل.
القضية الثالثة: تولي المرأة لمنصب الرئاسة:
اتفق علماء الأمة على المنع من تولي المرأة لمنصب الخلافة أو الإمامة العظمى استنادًا لقول النبيصلى الله عليه وسلم: “لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمُ امْرَأَةً”[12], وهناك من العلماء المعاصرين من يرى أن منصب الرئاسة اليوم لا يشبه منصب الخلافة لأن منصب الرئاسة يقتصر على القيام بمهام السلطه التنفيذية؛ وبالتالي لا تجتمع له السلطات التشريعية والقضائية, بخلاف منصب الخليفة الذي تجتمع بيده كافة السلطات, وهذا التوصيف في تقديرنا لا يغير من الأمر شيء لأن ما يعتري المرأة من أمور الحمل والرضاعة وغيرها يؤثر على حسن أدائها لهذه المهام الكبيرة وعظيمة الأثر مما يجعلها غير مناسبة لهذا الموقع الهام والخطير.
القضية الرابعة: تولي المرأة القضاء:
ذهب جمهور الفقهاء إلى منع المرأة من تولي القضاء, وذهب الأحناف إلى جواز توليها القضاء فيما يجوز لها الشهادة فيه, وذهب الإمام ابن حزم والإمام الطبري إلى جواز توليها القضاء في أي شيء, ولا شك في أن الخصائص التكوينية للمرأة تؤثر بشكل كبير في مدى استمرار كفاءتها لتولي هذا المنصب.
وأخيرًا بعد هذه الرحلة الطويله التي تعرفنا فيها على الرؤية الإسلامية والرؤية الغربية للمرأة ودورها في إعمار الكون, واستمعنا أثنائها لكلمة العلم الحديث, يمكن أن نتسائل:
هل الإسلام عدو للمرأة كما يدَّعون؟!
هل الإسلام لم ينصف المرأة كما يزعمون؟!
لعل الإجابة واضحة وضوح الشمس: لقد ظُلم الإسلام كثيرًا, فالإسلام جاء منصفًا للرجل وللمرأة على حد السواء, وراسمًا لكل منهما دوره في تكامل بديع, وتعامل بواقعية وتجاوب مع الفطرة الإنسانية, ومن ثم قدم للبشرية تلك الرؤية الفذة العبقرية التي فتحت الأبواب أمام المرأة كي تؤدي دورها في عمارة الكون وهي معتزه بنفسها ومحافظة على عفافها وقائمة بدورها في بناء أسرتها ومجتمعها, نعم لقد طلب الإسلام من المرأة القيام بدورها في إطار معرفة الحقوق والالتزام بأداء الواجبات, وانتدب المرأة لأعظم مهمة: مهمة إصلاح الإنسان وإعمار الأكوان بمنهج الرحمن, مهمة في طريق نهايتة الجنة فهل تقبلين أيتها المرأة والفتاة المسلمة تلك المهمة, كي تقدموا للعالم نموذج المرأة القدوة التي تقدم رسالة الهداية للبشرية في إطار العمل الجاد مع الاستمتاع بمباهج الحياة المباحة, وتعمير الآخرة والوصول إلى الدرجات العليا في الجنة “وفي ذلك فليتنافس المتنافسون”.
([1]) من خواطر الشيخ الشعراوي مقال “العمل للضرورة” المنشور بجريدة الأخبار المصرية 26/2/1999م بالصفحة الأخيرة.
([2]) راجع في ذلك المراجع الآتية: المرأة في القرآن للشيخ محمد متولي الشعراوي ط أخبار اليوم ص65, والمرأة في الإسلام للشيخ محمد الغزالي والدكتور أحمد عمر هاشم, مطبوعات دار أخبار اليوم, المرأة في الإسلام بين الماضي والحاضر للدكتور عبدالله شحاته ط. الهيئة المصرية العامة للكتاب.
([3]) رواه الإمام أحمد في مسنده.
([4]) رواه أحمد والنسائي والطبراني وأبو داوود, وصححه الألباني.
([5]) رواه الطبراني.
([6]) سورة آل عمران: الآية 61.
([7]) المرأة في الإسلام بين الحاضر والماضي د. عبد الله شحاته ص214.
([8]) رواه مسلم, وجد النخل: أي قطع ثمره.
([9]) رواه مسلم.
([10]) سورة الأحزاب: الآية 32.
([11]) تقرير الجهاز المركزي للتعبئة والاحصاء 2011 (موقع الرجل والمرأة).
([12]) رواه البخاري والترمذي والنسائي والبيهقي.