الجانب الإنساني في شخصية الدكتور عصام دربالة
بقلم: حسن الخليفة عثمان
بعد أن خرجت من معتقل سجن العقرب السياسي الذي قضيت فيه أكثر من خمسة عشر سنة على يد نظام المخلوع مبارك ؛ بل وشاركت في ندوات ( مبادرة وقف العنف ) بالبدلة الحمراء وما صدّني ارتداءها عن أن أغرس ما كنت أراه آخر فسيلة خير بيدي يمكن أن أغرسها لنفسي عند ربي، ولأمتي تكون باقية في عقبي؛ وقد كانت إقامتي في عنبر اسمه المستشفى (وما هو بمستشفى) بسجن العقرب وقد كنت أول من تم تسكينه بهذا المكان والوحيد فيه لفترة من الدهر منذ عام 1998 حتى عام 2002 حين قدمت قيادات الجماعة الإسلامية بمصر؛ تلك الجماعة التي رفض القضاء المصري الحالي تصنيفها جماعة إرهابية، ورفض إدراجها في قائمة الكيانات الإرهابية، وقد حضروا لإلقاء المحاضرات في الندوات التي عقدوها لأفرادهم، ثم استقر واستمر معي في المكان أعضاء مجلس الشورى حتى فك الله أسرهم وفرّج كربهم.
وقد كان من بين هؤلاء رجل السلمية وداعية السلام الراحل الدكتور عصام الدين دربالة_ تقبله الله في الشهداء_ والذي لن أقول لك: إني كنت عنده من الخصوصية والمنزلة بمكان؛ لأن كل من صاحب الرجل واقترب منه سيقول لك نفس الجملة وذات العبارة وهو صادق فيها، ذلك أن الإمام رحمه الله خصّه الله بنفحة إيمانية وروحية في رفيع ذوقه، ومكارم أخلاقه، وطلاقة وجهه، تجعل كل من يلقاه يرى نفسه أنه الصفي لديه.
لكني أقول لك : إن ما عاينته من أحوال هذه الشخصية وما دار من نقاشات بيني وبينه في تلك السنوات الطوال، ما كان منها على انفراد وخصوصية، أو كان على الملأ للحضور جميعا؛ كان كافياً ليجعلني أعرف وأقف على قدر وقيمة وقامة الرجل العقلية، والعلمية، والفكرية، وأهمها النفسية، كما إنني علمت يقيناً أن عين الشر ويده تعرف ما أعرف، وتقف على ما وقفت عليه من قيمة الإمام- رحمه الله- وهذا الذي جعلني بعد أن تم فض اعتصام رابعة؛ أطلب منه متوسلاً إليه من خلال أفراده ومساعديه أن يخرج من مصر، وذلك متاح له، ويشهد الله، ويشهد أولئك النفر الأحياء الموجودون من أعضاء وقيادات حزب البناء والتنمية على ما بذلت من نصح وإلحاح وضغط بما كان لي عند الرجل من صحبة؛ليخرج من مصر فكان الجواب نصاً:
إن خروجي من مصر ليس مطروحاً لمجرد النقاش أو النظر فيه، وهو مرفوض جملة وتفصيلاً! ثم نصحني بالمغادرة فوراً والخروج من مصر، وحذّرني من مغبة البقاء؛ لأن ثمة قراراً قد اتُخذ باعتقالي في سجون ومعتقلات الانقلاب العسكري ، لكن الوضع سيكون بالنسبة لظروفي وحالتي بالغ السوء، بما يعني القتل لي ، أخذت بنصيحة الرجل الذي كثيراً ما قدّم وآثر معاقاً من معاقي هذه الأمة في شئون حياته على نفسه، ودخل السجن ليكون زمنى ومعاقو هذه الأمة أحراراً، ومات بالسجن ليكون ضعفة هذه الأمة أحياء.
بعد أن خرجت من المعتقل الذي شهد فيه الإمام على ما عانيت فيه من ظلم وجرائم النظام المخلوع وانتهاكهم لآدميتي مما أحتسبه عند ربي؛ أبى بإصرار هو وإخوانه أن أعود لأقيم في صعيد مصر في بلدتي القوصية بأسيوط، وأصر أن يكون هو بنفسه والسيد النائب الدكتور صفوت عبدالغني-فك الله أسره- والسيد محمد شوقي الإسلامبولي، من يقومون على رعايتي الصحية، وأن أكون بالقاهرة قريباً من مستشفى القصر العيني، ثم جهّزوا سكناً من أفخر أنواع السكن في برج من الأبراج الراقية في شارع العشرين في منطقة فيصل بالجيزة.
لقد كنا في حلٍّ من أن نذكر هذه الأمور كلها ونطرحها على قرائنا في بلاد العالم الإسلامي والأمة الإسلامية والتي تُعد بمثابة خصوصية الحياة، أو دقائق باطن الحال للإنسان، والتي جرت العادة ألا يُطلع الإنسان عليها أحداً، لكنني ارتأيت أمام مصاب الأمة الجلل في فقدها لذلك المفكر الفريد والإمام الداعية إلى السلمية والسلام والذي حارب فكر التكفير والتفجير وقتل المتظاهرين؛ أن من لوازم الوفاء لكرام وعظماء هذه الأمة أن ننثر على الخلائق غيضاً من فيض ما كانت تحيا به قلوبهم، وعبقاً مما كانت ترفل فيه نفوسهم.
كما إننا بمسيس الحاجة أن نعيش الجانب الإنساني في عقيدة التوحيد؛ بما فيها من معانِ التراحم والمودة والإخاء وبذل الندى للجميع.
رحم الله داعية الحب ورجل السلمية والسلام، وتقبله الله عنده في رفيع منازل الشهداء، وأخلف الأمة الإسلامية في مصابها بهخيرا