القائمة إغلاق

الجماعة والحب والولاء

الجماعة والحب والولاء

بقلم: المهندس أسانه حافظ

يستطيع المتشبع بروح الشريعة العالم بمقاصدها أن يدرك دون جهد أن الإسلام دين جمعي يحث على الاجتماع والجماعة ويكره العزلة والانفراد..فالإسلام يجمع الناس للصلاة خمس مرات في اليوم .. ومرة يوم الجمعة .. ويجمعهم في العيدين وفي صلاة الكسوف وفي صلاة الاستسقاء ويجمعهم في محفل عالمي في الحج وغيرها .. ثم هو يوجب كل ما من شأنه أن ينمي روح الجماعة بين المسلمين من معاملات وأخلاق فيوجب التكافل بالزكاة والصدقة ويحث على الحب في الله والإيثار والأمانة حتى إماطة الأذى عن الطريق والتبسم في وجه الإخوان وغيرها.

وهو أيضا ينهي عن كل ما يمزق أواصر الحب في المجتمع المسلم من أخلاق ومعاملات فينهى عن الكبر والسخرية و الغيبة و النميمة و التجسس ويحرم الغرر والغبن وغيرها.

ولأن كثيرًا من الفرائض لا تقوم بالأفراد و إنما بالجمع والجماعة كالجهاد و الحسبة و الدعوة كان طبيعيا أن يتكرر الأمر بالاجتماع والجماعة والنهي عن الفرقة والاختلاف في القران و السنة وأن تتناثر مفردات العمل الجماعي فيهما من إمارة وطاعة وأمير وغيرها حتى أن الشريعة لتوجب القيادة في السفر العارض لثلاثة نفر حرصا على وحدة الكلمة وعدم التفرق.

ولأن مسعى الاجتماع هو السعي لأداء فرائض الدين في النفس والأهل والمجتمع فإن الولاء والانتماء الأساسي لكل مسلم ينبغي ألا يكون إلا لله ورسوله وما عدا ذلك من ولاءات أو انتماءات إنما هي تبع لذلك .. والحب والقرب ينبغي أن يكون في الله وأي حب آخر إنما هو تبع له .. فالحب لعامة المسلمين يزداد ويتوثق بقدر ما نراه من التزام بالدين والقرب منه.

رغم أن هذه القواعد يعرفها الجميع ويرددونها في كل حين .. إلا أن كثيرا من أبناء الحركة الإسلامية يعانون خللا في توقيع هذا الكلام على الواقع .. فالخلل كل الخلل أن يطغى الانتماء للجماعة أو للجمعية أو للحزب أو لأي تجمع على الانتماء العام للإسلام والمسلمين وأن يكون الحب والبغض محركه هذا الانتماء الضيق لا الانتماء العام للدين وأهل الدين.

وهذا المرض الخطير أشاع روح التعصب بين أبناء الجماعات الإسلامية بصورة مرضية تحتاج بالفعل إلى وقفة لعلاجها.

فالجمعيات و الجماعات والأحزاب والجمع بصفة عامة إنما شرع كوسيلة للتضافر على إقامة الدين و فرائضه و أوامره في النفس و الأهل و المجتمع .. ولكنها – للأسف – تحولت إلى غاية و هدف في ذاتها كثيرا ما طغت على الهدف من إنشاء هذه الوسيلة .. فالحب لم يعد حبا في الله ولكن في الجماعة .. والصواب هو ماتقول به الجماعة و الأعمال الصالحة هي ما تؤديه الجماعة وكل من عداهم وما عداهم لا بد أنهم علي غير الجادة و الصواب بل وأشد وأسوأ من ذلك.

وهكذا تصارعت الجماعات والجمعيات علي سفاسف الأمور .. و تنا زعت في الأمور المختلف عليها منذ قرون في فروع فروع الدين .. وقامت بينهم المعارك التي وصلت إلى حد الضرب عليها .. وصار الانتماء للجماعة هو الانتماء للدين و صار اسم الجماعة ورسمها هو الدين فتكون المعارك علي الاسم وعلي الشعار ونضحي بأمور من الدين نفسه في سبيلهما ونقع في كبائر الذنوب من أجلهما من غيبة ونميمة وشقاق من أجل مسميات وشعارات لاطائل من ورائها .. بل قد يكون ضررها أكبر من نفعها … وهكذا بدلا من تكمل تلك التجمعات بعضها وتنسق فيما بينها لتنتج في مجتمعها مايرفع من بنيانه ويزيد من قوته وحيويته في ظل تفعيل دور الدين في الارتقاء والمضي قدما للأمام صارت جهود تلك التجمعات تتقاطع وتستهلك في محاربة بعضنا بعضا .. وافتقدنا الحب في الله الذي هو قوام بناء المجتمع المسلم والتعاون على البر والتقوى الذي يجمع الجهود في سبيل الله.

ينبغي أن يكون واضحا أن الهدف من وجودنا وأعمالنا هو عبادة الله وإقامة دينه.. وأن لذلك وسائل كثيرة ينبغي أن تتميز بوضوح عن الغاية والهدف .. وأن التشكيلات والأسماء والشعارات ما هي إلا مجرد صورة من صور التنظيم لتحقيق الهدف من خلالها .. وليس لها دلالة أخرى من صواب الأعمال أو عدمه وإنما الصواب و الخطأ في العمل نفسه .. فمن عمل مايوافق السنة فهو المصيب ومن لا فلا وليس للانتماء أثر في ذلك.

وينبغي أيضا أن ندرك جميعا أن علاقة الحب في الله إنما تشمل المسلمين جميعا وليس للانتماء أثر فيها.

بدون ذلك فان مثل هذه التجمعات يكون ضررها أكثر من نفعها وزوالها أفضل من وجودها.

التعليقات

موضوعات ذات صلة