اصلاح النفس مقدم على اصلاح الغير
بقلم: الشيخ عبود الزمر
من كمال الإيمان أن يحب المرء لأخيه ما يحب لنفسه , فإذا كنا نحب لأنفسنا أن ندخل الجنة , فينبغي أن نحب الخير للجميع , ولا نتمنى سوء العاقبة لخصومنا , بل نتمنى لهم التوبة والعودة إلى الحق والنجاة من النار .
وعلى الإنسان أن يبدأ بإصلاح نفسه فيراعي حق الله , وحق العباد , فيؤدي ما عليه من واجب نحو ربه , ويحسن إلى الخلق فلا يظلم أحداً منهم , كما ينبغي عليه أن يفتش في حاله ويعالج نفسه من أمراض القلوب كالكبر والعجب والرياء وأن يعرض أعماله على كتاب الله وسنة رسوله فمتى تطابقت معهما حمد الله على ذلك , وإن وقعت المخالفة فعليه أن يقلع فوراً , ويعدل من مواقفه فليس هناك متسع من الوقت إذ لا يدري أحد متى تأتيه المنية , ثم إن انشغال المرء بإصلاح غيره من الناس لا يصح أن يرقى إلى درجة انصرافه عن مراقبة أحواله , لأن هذه الشخصية تكون محل انتقاد من المطلعين على أحواله رغم أن بعض العلماء أجازوا لصاحب المعصية أن ينصح غيره في ذات الباب إنكاراً منه على نفسه وغيره على حد سواء, ولم يوجبوا عليه إصلاح نفسه قبل إصلاح غيره , وعلى الناصح لغيره ألّا يتخذ من نصيحته سبيلاً لسب الآخرين تحت ساتر النصيحة فهذا يسميه العلماء { المتنصح } وهو أحق بالإنكار من غيره .
إننا اليوم نعيش في زمان لا يكاد يقبل فيه أحد النصيحة على وجهها الحسن ويشكر لمن أسداها له , بل تؤخذ النصيحة على سبيل التجريح ويؤخذ التنبيه على سبيل التوبيخ , ويبقى الأمر القلبي بين العبد وربه حيث يحاسب كل فرد بما خرج من فمه من كلمات , بل ومن أحرف أيضاً , فإما أن يأثم وإما أن يؤجر خيراً بإذن الله , ولقد ذكر بعض أهل العلم أن كثرة العتاب تورث البغضاء , بمعنى أن العتاب غالباً ما يكون فيه تخطئة للآخر , فكان من الحكمة التقليل من ذكر الأخطاء , فإن غلب على ظن الناصح أن المنصوح لا يستجيب ويغضب ويثور , فهو في حل من نصحه , أما إذا غلب على ظنه أنه يقبل ويرحب بها ويشكر لصاحبها, فإنه يؤديها على الوجه الحسن الذي يرجى منه القبول , وعلى الناصح أن يعلم أن من كمال النصيحة الصبر على أذى المنصوح لأن بعض المنصوحين غالباً ما يردون النصيحة بنقد حاد مطالبين الناصح أن يصلح من شأنه أولاً قبل أن يوجه حديثه للآخرين , ولا يسعني هنا إلا أن أترحم على سلفنا الصالح رضي الله عنهم الذين كانوا يطلبون النصيحة ويصغون إليها , وهنا نذكر ما كان يقوله عمر بن الخطاب رضي الله عنه { لا خير فيكم إن لم تقولوها ولا خير فينا إن لم نسمعها }.
ولقد بين الإسلام في تعاليمه موقع النصيحة وأهميتها إذ جاء في الحديث الشريف { الدين النصيحة } وأوجب على القادر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في غير مفسدة أكبر , كما أنكر على من يأمر بالمعروف ولا يأتيه أو ينهى عن المنكر ويأتيه , إذ جاء في القرآن الكريم ما نصه {أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون} فالحاصل أن الإنسان لا يصح أن يكون حريصاً على نجاة غيره وهو في نفس الوقت في عداد الهالكين , فيصبح كالمعبر الذي يعبر عليه الناس إلى الجنة ثم يهوي هو في قعر جهنم نعوذ بالله من ذلك . هذا ونسأل الله تعالى أن يوفقنا إلى قبول النصيحة والعمل بالصالح منها وإصلاح أنفسنا ومجتمعنا ما استطعنا إلى ذلك سبيلا .
والله المستعان