القائمة إغلاق

الشيخ على عبد الرازق والتنوير بغزو الأزهر

الشيخ على عبد الرازق والتنوير بغزو الأزهر

بقلم: المهندس أسامه حافظ

مقدمة حول الشيخ علي عبد الرازق وكتابه ” الاسلام وأصول الحكم

منذ أكثر من عشرين سنة أصدرت وزارة الثقافة سلسلة سمتها “التنوير والمواجهة” نشرت بها كمية كبيرة من كتب المستنيرين إياهم، وكان من هذه السلسلة كتاب الشيخ على عبد الرازق “الإسلام وأصول الحكم“.

وكنت قد قرأت عن هذا الكتاب كثيرا ما بين مادح وقادح ولم أكن قد قرأت أصل الكتاب بعد فسارعت بشرائه خاصة وأن وزارة الثقافة كانت تبيع هذه الكتب مجانا تقريبا “ربع جنية”- حاجة ببلاش كدة ـ وقد قدم لهذا الكتاب المسئول الأول عن هذه السلسلة بالوزارة ـ وقل أن يقدم لكتاب ـ مادحا الشيخ المؤلف مشيدا باستنارته وشجاعته وعلمه بل ووطنيته في تصديه يومها لرغبة الانجليز ـ أنظر هو يقول الانجليز ـ وكذا رغبة الملك فؤاد في إحياء الخلافة التي أسقطها أتاتورك قبل سنة من نشر الكتاب معلنا أن الإسلام دين روحاني لا سياسة فيه ولا حكم ـ كذا ـ ومثمنا موقف مناصري الشيخ من حزبه “حزب الأحرار الدستوريين” المؤسس سنة 1922 ـ ووطنيتهم ـ نعم وطنيتهم ـ في دفاعهم عن الشيخ وكتابه في مواجهة رغبة الانجليز والملك، ثم كيف وقف المستنيرون لمناصرة دعوته التي نسفت ـ كما يقول ـ فكرة الدولة الدينية من أساسها وفكرة الخلافة الإسلامية.

وقد قرأت الكتاب مرة ومرتين وثلاثا وتعجبت لماذا يثار كل هذا الضجيج وتضفي كل هذه الأهمية على مثل هذه الوريقات التي لا قيمه لها.. ففكره الكتاب وإن كانت غير مطروحة في كتابات علماء المسلمين لخطئها إلا أنها مسروقة من بعض كتابات المستشرقين ومنهم مرجيلوت وارنولد أساتذة الشيخ على عبد الرازق في جامعة أكسفورد ـ كما ذكر كل من كتبوا عن الكتاب وردوا عليه مثل محمد عمارة ومحمد رجب بيومي وجلال كشك ومحمد الخضر حسين وغيرهم ـ أما من الناحية الفنية فالكتاب هزيل تقسيمه وترتيبه واستدلالاته عمقا واتساعا لا يصلح ما فيه لمناقشة موضوع كهذا في جدته وأهميته والموقف المتوقع للرأي العام منه بغض النظر عما فيه من صواب أو خطأ.

أما عن الشيخ فرغم حصوله على العالمية إلا أنه لم يعرف عنه تميز في العلم ولم تقرأ له كتبا مؤلفة عرفها الناس عنه ولا محاضرات وندوات اجتمع الناس عليها يمكن أن تكون سببا ليعجب الناس بكتابه إعجابهم بشخصه.

إذن ما هو سبب هذه الحفاوة بالشيخ وكتابه ما دامت فكره الكتاب مسروقة وعرض الكتاب ضعيف والشيخ كان مغمورا لا صيت له بجمع الناس من حوله ومن حول كتابه؟.

المسألة ببساطة أنها المرة الأولي أو قل المرة الوحيدة التي يقول فيها رجل أزهري مثل هذا القول فصار كما يقولون وشهد شاهد من أهلها ولكنه كان شاهد زور.

وقد أحسنت هيئة كبار العلماء أن اجتمعت في أغسطس 1925 وقررت بعد أن ناقشت الشيخ وردت عليه وأصر هو على ما كتب سحب شهادة العالمية منه وما يترتب علي هذه الشهادة من مكانة وظيفية لتسلبه تلك المشروعية التي يحاولون إضفاءها من خلال مكانته على هذه الفكرة ولكنهم وحتى الآن لا يزالون يتمسحون في عالميته المنزوعة.

ولنبدأ القصة من أولها لنعرف من هو على عبد الرازق وما هو موضوعة.

هو أحد أفراد أسره صعيدية معروفة بمحافظة المنيا مركز بني مزار وأبوه حسن عبد الرازق باشا أحد مؤسسي حزب الأمة الذي استعمله الانجليز أو قل انشأوه ليواجهوا به الحزب الوطني حزب مصطفي كامل.

وقد تعلم الشيخ على بالأزهر حتى حصل على العالمية سنة 1911 ثم سافر إلي انجلترا لدراسة السياسة والاقتصاد ولكنه عاد سنة 1914 بسبب قيام الحرب الأولي حيث عين قاضيا شرعيا وتولي قضاء المنصورة حتى تم فصله سنة 1925 بسبب كتابه المذكور.

أما الكتاب فقد تم طبعه سنة 1925 بعد قرابة عام على سقوط الخلافة وكان الكتاب يدور حول المعاني الآتية نذكرها ملخصة من تقرير هيئة علماء الأزهر:

1. الشريعة الإسلامية شريعة روحية محضة لا علاقة لها بالحكم والتنفيذ في أمور الدنيا.

2. إن جهاد النبي ـ صلي الله عليه وسلم ـ كان في سبيل الملك لا في سبيل الدين والبلاغ عن رب العالمين.

3. إن نظام الحكم في عهده ـ صلي الله عليه وسلم ـ كان موضع غموض أو إبهام أو اضطراب أو نقص موجب للحيرة ـ هذه ألفاظه ـ

4. إنكار إجماع الصحابة على وجوب نصب إمام.

5. إنكار القضاء كوظيفة شرعية.

6. إن حكومة أبي بكر والخلفاء الراشدين ومن بعدهم كانت حكومة لا دينية ـ اللفظ من عنده ـ

وقد قامت الدنيا على الشيخ المذكور وخرجت المظاهرات تطالب بمحاكمته، ووقف الناس في شأنه طوائف ثلاثة:

الأولي: هي طائفة الأحرار الدستورية وجريدتهم السياسية وهو الحزب الذي انتمي إليه الشيخ وعائلته ـ وبعض النصارى والعلمانيين الموالين للإنجليز وصحفهم كالمقتطف والهلال حيث دافعوا عنه وعن دعوته وخاضوا المعارك الصحفية مسانده له.

الثانية: سعد زغلول والوفد هاجموا دعوة الشيخ وردوا على كلامه ولكنهم دافعوا عن حقه في نشر الكتاب وإعلان أرائه.

الثالثة :علماء الدين والأزهر ورجاله طالبوا بمصادرة الكتاب ومحاكمة الشيخ.

وبالفعل اجتمعت هيئة كبار العلماء ـ 24 عالما ـ بقيادة الشيخ محمد أبي الفضل شيخ الأزهر وتم استدعاء على عبد الرازق ومناقشته فيما كتب ولقد أصر على رأيه وموقفه وأعلن أنه سيعيد طبع الكتاب وينشره ـ وهو ما لم يحدث ـ فأصدر المجمع بإجماع علمائه قرارا هذا نصه: “حكمنا نحن شيخ الجامع الأزهر بإجماع أربعة وعشرين عالما معنا من هيئة كبار العلماء بإخراج الشيخ على عبد الرازق أحد علماء الجامع الأزهر والقاضي الشرعي بمحكمة المنصورة الابتدائية الشرعية ومؤلف كتاب “الإسلام وأصول الحكم” من زمرة العلماء الدينية

ويترتب على مثل هذا الحكم وطبقا لقانون الأزهر رقم 10 لسنة 1911 مادة 101 “أن يمحي اسمه من سجلات الجامع الأزهر والمعاهد الأخرى وطرده من وظيفته ـ لأن وظيفته مترتبة على الشهادة التي سحبت منه ـ وقطع مرتباته في أي جهة كانت وعدم أهليته للقيام بأي وظيفة عمومية دينية أو غير دينية

وهكذا غاب الشيخ في طوايا النسيان سنين عدة حتى استخرجوه من زوايا النسيان وركام التاريخ ليعينوه وزيرا للأوقاف بعد نحو عشرين سنة مكافأة له على كتابه، وليعينوا أخاه مصطفي عبد الرازق شيخا للأزهر.

هذه مقدمة هامة لابد منها قبل مناقشة ما يقوله التنويريون عن كتاب على عبد الرازق ـ الذي كان شيخا ـ وعن الرجل ووظيفته والمناخ الذي ظهر فيه والطائفة المرجوة له.

التعليقات

موضوعات ذات صلة