القائمة إغلاق

بيع العربون.. ماهيته وأحكامه

بيع العربون.. ماهيته وأحكامه

بقلم: المهندس أسامه حافظ

هو أحد البيوع التي عمت بها البلوى في هذه الأيام وتضاربت حوله الأقوال.

وقد اخترنا أن نكتب فيه هذا المختصر للمشاركة في ضبط أعمالنا التجارية للشرع الشريف.

والعربون في اللغة: هو التسليف والتقديم كما يقول اللسان.

أما في اصطلاح الفقهاء: فقد اختلفت فيه الكلمة وأقربها وأشملها هو تعريف الدكتور “وهبة الزحيلي” في كتاب الفقه الإسلامي أنه: ” بيع يثبت فيه الخيار للمشتري إن أمضى البيع كان العربون جزءا من الثمن وإن رد البيع فقد العربون.. ومدة الخيار فيه غير محددة بزمن، وأما البائع فهو لازم له ” ج2 ص 448.

حكم العربون

وللعربون صورتان:

الصورة الأولى: تتمثل في شخص اشترى شيئا وأعطى البائع عربونا على أنه إن كره البيع استرده، وإن رضيه حاسبه به من الثمن.

والعربون هنا جزء من الثمن إن اختار المشتري إبرامه، وإلا استرده إن لم يبرم .. والبيع هنا صحيح عند عامة الفقهاء ولا خلاف حول صحته.

الصورة الثانية: وهي أن يشتري شيئا ويعطي البائع عربونا يكون جزءا من الثمن إن أمضى البيع، ويأخذه إن رفض المشتري إمضاء العقد.. وهذه الصورة محل نزاع بين الفقهاء كما يلي:

ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية وأبو الخطاب من الحنابلة إلى أن البيع في هذه الحالة غير صحيح (فاسد عند الحفية وباطل عند غيرهم).

وعند الشافعية – نقله النووي في المجموع ج9 ص 355 – أن العربون إن ذكر في نفس العقد فالبيع باطل، وإن قاله قبل العقد ولم يتلفظ به حال العقد فهو بيع صحيح.

وقد استدل الجمهور بحديث أحمد والنسائي وأبي داود والموطأ “نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع العربان ” وهو حديث ضعيف كما قال النووي.

واستدلوا أيضا بدليل عقلي مفاده أن ذلك من أكل أموال الناس بالباطل المنهي عنه، إذ أن المبلغ يؤخذ دون عوض في حال عدم إتمام العقد، هذا فضلا عما فيه من غرر ومخاطرة.

ذهب الحنابلة وبعض التابعين كمجاهد وابن سيرين وزيد بن أسلم إلى صحته واستدلوا بما روي عن نافع أنه اشترى لعمر دار السجن من صفوان بن أمية فإن رضي عمر وإلا فله كذا وكذا.

قال الأشرم ” قلت لأحمد: تذهب إليه؟ قال أي شيء أقول.. هذا عمر رضي الله عنه “.

وجاء في المغني ” قال أحمد: يصح بيع العربان لأن عمر فعله

قال أحمد وابن سيرين : لا بأس به وفعله عمر رضي الله عنه.. وعن ابن عمر أنه أجازه.

إلا أن بعض الحنابلة أجازوه واشترطوا تقييد فترة الانتظار بزمن محدد وإلا فإلى متى ينتظر البائع نفاذ العقد أو عدم نفاذه، ذكره صاحب غاية المنتهى.

وقد أيد ابن القيم هذا المذهب في ” أعلام الموقعين” وأفاض في شرحه، وهو مذهب كثير من العلماء المتأخرين.

والقانون في مصر وأكثر الدول الإسلامية قريب من هذا المذهب..

وهو الأقرب إذ أن مستند كلا الفريقين ضعيف لا يكفي للاستدلال به، فيبقى على أصل الإباحة، والعرف يعمل أثره في تصحيحه، خاصة أن العربون له أثره في تعويض البائع عن الضرر الحاصل للبائع من تأخر البيع، فيكون له مقابل معتبر وليس أكلا لأموال الناس بالباطل كما يقول أصحاب المذهب الأول.

هذا وقد دافع الدكتور السنهوري واضع القانون المدني المصري عن مذهب الحنابلة في كتابه ” مصادر الحق ” بتفصيل جيد لمن أراد الرجوع إليه.

ولأن العقد شريعة المتعاقدين والمؤمنون عند شروطهم إلا شرطا أحل حراما أو حرم حلالا، ولأنه يدفع إلى جدية التعاقد ويحقق الانضباط فيه نظرا لضعف الوازع الديني وخراب الذمم.

التعليقات

موضوعات ذات صلة