العقاد . . وعبقرية خالد
كتاب لايفوتك قراءته
بقلم: المهندس أسامه حافظ
رائعة من روائع العقاد الكثيرة أحمل لها عبقا خاصا من أيام شبابي الاولي .
والحقيقة أن لي بها غراما خاصا إذ كانت مقررة علينا في الثانوية . . وكنت علي كثرة ما قرأت في هذه السن المبكرة أقف مبهورا أمام هذا الكتاب الذي حجبني عن مذاكرة بقية أفرع اللغة العربية الأخري المقررة علينا . . فالشباب بطبعه وحماسه محب للبطولة وخالد بن الوليد أنموذج عال لم يتكرر علي مر التاريخ . . والكاتب العملاق أجاد في عرضه عن خالد بما أبرز تلك البطولة كأنموذج للإحتذاء . . ولذلك فقد كنت من شدة إعجابي بالقائد العظيم وبالكتاب عنه أحفظ صفحات كاملة عن ظهر قلب من صفحاته – بل أنني علي كثرة ما قرأت من كتابات ومراجع عن سيف الله علي مدار أربعين سنه بعدها فإن كتاب العقاد هو الذي شكل ما في عقلي عن خالد رضوان الله عليه .
نعم خالد بن الوليد رضى الله عنه أسطورة من أساطير تاريخنا العظيم . . وعلى كثرة ما حكى التاريخ من سير لقادة عظام لم يحك عن قائد مثله .
فرغم عشرات المواقع والغزوات ورغم ما لاقى من جيوش وخصوم فإنه لم يهزم ولم يخطئ ولم يخفق مرة واحدة . . وإن قوادا من المسلمين – كما يقول العقاد – أخطأوا فى حروب الردة وحروب فارس والروم كما حدث مع عكرمة وشرحبيل وأبى عبيد وخالد بن سعيد . . ولكن خالد لم يخطئ قط عن خدعة أو عجلة أو قلة أهبة – وإنما هى شجاعة ويقظة وجده وسرعه ومعرفة ما هو لازم وقت لزومه – .
وقد توالت أخبار إنتصاراته المذهلة فى العراق – إنتصر فى خمس عشرة معركة خلال أربعين يوما –الي أبى بكر الصديق رضى الله عنه وهو فى المدينة . . وعلى كثرة ما كانت تأتيه من أخبار الإنتصارات إلا أنه علق منبهرا على إنتصارات خالد ” عدا أسدكم على أسد الفرس فغلبه على خراذيله – فرائسه – عقمت النساء أن يلدن مثل خالد ” .
وانظر إلى رسالة الصديق إلى خالد ينتدبه لقيادة جيوش الشام وفيها من القادة من فيها فيقول له : ” . . فإنه لم يشج الجموع من الناس بعون الله شجيك ، ولم ينزع الشجا من الناس نزعك فليهنك أبا سليمان النية والحظوة فاتمم يتمم الله لك ” .
كان خالد كما وصفه عمرو بن العاص ” فى أناة القطاة ووثبة الأسد ” وكان العقاد شديد الإعجاب بالقائد العظيم . . وكانت كل كلمة فى كتابه تبرز ذلك الحب والإعجاب والإنبهار به . . وبمنتهى الإقتدار والثقة تصدى العقاد للرد على كل من حاولوا إثارة الغبار حول سيف الله متجاهلين تاريخه الكبير الملئ بالمجد والفخار ليتحدثوا عن بعض الأحداث البسيطة التى رويت فى سيرته بعضها لا يخلو من شك فى صحته مثل قصة مالك بن نويرة ومذبحة نهر الدم وأمثالها .
ولكن العقاد بمنطقه القوى ناقش بموضوعية وردود مفحمة على كل شانئيه دون محاولة للإقرار ببعض مما ينكرونه ليكسب دعوى الإنصاف بغير حق على حساب المصداقية والأمانة والعدل .
وفى فصل رائع عن عبقرية خالد العسكرية ناقش العقاد فى ضوء معطيات العصر كيف أحاط خالد بفطرته أركان الثقافة العسكرية المعاصرة .
لقد استجمع صفات القائد العظيم المفطور على النضال وهى الشجاعة والنشاط والجلد واليقظة وحضور البديهه وسرعة الملاحظة وقوة التأثير .
كان يضع لكل معركة الخطة التى تناسبها ولذا فقد حارب بالصفوف فى معارك وبالكراديس فى معارك أخرى وحارب بالكمين والكمينين وبدون أكمنة واستخدم التورية والمباغتة والسرعة على أنماط مختلفة بحسب حاجة المعركة . . واستخدم الحرب المعنوية ورفع الهمة فى موضعها .
لقد كان رضى الله عنه يحارب فى العراق بثمانية عشر ألفا جيوشا تفوقه عددا وعدة بأضعاف مضاعفة وينتصر عليهم .
كان خالد كما يقول العقاد فى التاريخ العسكرى هو مكان الطليعة بين أكبر القواد الدين اشتهروا بالفن أو اشتهروا بالعبقرية أو اشتهروا بالمناقب الشخصية . . وكان فيه من ملامح القيادة فى العظائم والصغائر ما يدل على طبيعة القيادة الملهمة . . وأنه – كما كان يقال – قائد من فرع رأسه إلى قدميه .
كان رضى الله عنه يقاتل بسمعته كما كان يقاتل بالجيوش . . لقد ظل عياض بن غنم محاصرا مدينة ” دومة ” قرابة العام فما استطاع فتحها ولكن أهلها ما إن سمعوا بمجئ خالد مددا لعياض حتى قام خطيبهم يقول : ” أيها الناس إنه خالد – لا أحد أيمن طائرا ولا أصبرفى حرب منه ولا رأى وجه خالد قوم أبدا قلوا أو كثروا إلا انهزموا عنه ، فطاوعونى وصالحوا القوم ” . وهكدا فتحت دومة فى نفس اليوم الدى وصل فيه خالد بعد أن انهارت مقاومتها قبل مجيئه بمجرد سماعهم به .
لقد أبدع العقاد فى الحديث عن خالد . . ولا أحسب أن مقالة من بضعة أسطر تكفى لإيفاء كتابه القيم حقه . . لقد كان خالد رضى الله عنه عظيما وكان قلم العقاد فى الحديث عنه قديرا .
بقيت كلمة فقد تحدث البعض متهمين العقاد ببعض التهم الشخصية .
وأنا لا أزعم أننى أعرف العقاد شخصيا ولكننى أعرف كتبه جيدا وقد كتب معرفا ومدافعا عن الإسلام فى وقت كان من يكتب فى الدين متهما بالرجعية والتخلف وكان من يريد أن يشتهر فى ذلك الوقت من الأدباء والمفكرين يسب الدين وينتقص من أهله ولكن العقاد كتب فأبدع ودافع ولا زالت كتبه مدرسة يتتلمذ عليها الكثير وأنا منهم .
وإنى لأرجو أن يدخله الله فيمن قال فيهم: ” إن الحسنات يذهبن السيئات ” وفيمن قال فيهم نبيه صلى الله عليه وسلم: ” إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث ” .
وذكر حسنات السابقين والإمساك عن تقصيرهم وذنوبهم من هدى ديننا الحنيف وسنه نبينا .
رحم الله العقاد وغفر له ولنا ونفعنا بما كتب من خير .