القائمة إغلاق

نهج الإصلاح ونهج التغيير

نهج الإصلاح ونهج التغيير

بقلم: الشيخ رفاعي طه


في ظل الهجمة المنظمة على الإسلام في بعده الحضاري وكمنهج حياة ، ومحاولة القضاء بالكلية على هوية الشعوب المسلمة ، وفي ظل الهجمة الشرسة التي تقوم بها بعض الأنظمة في منطقتنا العربية متضامنة مع الولايات المتحدة الأمريكية بغرض شل حركة التيار الإسلامي أو القضاء عليه ..
وبعد أن نجحت الثورات المضادة أن تقوض أو تضعف المد الثوري الذي بلغ ذروة ازدهاره فيما سمي بثورات الربيع العربي ، في ظل هذه الهجمة وتزايد جلد الذات ، ذهب كثير من القوى الغير إسلامية وبعض القوى الإسلامية يتحدثون عن ضرورة تواري التيار الإسلامي خلف التيارات الليبرالية أو اليسارية في عالمنا العربي والإسلامي ، ضمانا لكسب ثقة الدول الكبرى والرضا عن قيادة تسلمها مقاليد الأمور كما تضمن التفاف أكبر قدر ممكن من الشعب حول التوجهات الإصلاحية ، بغية تحقيق مكاسب في مواجهة الثورات المضادة تضمن وجود قدر كبير من العدل والحرية.
وفي ظل ظروف العجز المحيطة بالحركة الإسلامية ، ذهب البعض يكتب عن الفتوى والجدوى وأخطاء قامت بها الحركة الإسلامية وعدم استفادة أبناء الحركة الإسلامية من تجاربها وتجارب الآخرين، ثم مطالبات بضرورة التصالح مع المجتمع والقبول بالحد الأدنى المتاح ..
ولعمري قد حمل هذا الطرح كثيرا من المغالطات وكثيرا من الرؤى غير الدقيقة لطبيعة الصراع الدائر بين القوى الكفرية المهيمنة على العالم اليوم وحلفائها من أبناء جلدتنا من جهة وبين القوى الإسلامية والوطنية التي تسعى لانعتاق شعوبنا ونيل حريتها واستقلالها من جهة أخرى ..
وابتداءً ينبغي أن نؤكد أن الحركة الإسلامية بعامة في مصر أو غيرها ليس بينها وبين المجتمعات المسلمة في مصرنا أو في عالمنا العربي والإسلامي أي خلاف ، أو مصادمات تستدعي من البعض أن يطالب بضرورة التصالح مع المجتمع، وعلى العكس من ذلك ظلت هذه الحركات هي المدافع الأول عن مطالب شعبنا في نيل حريته وتمكينه من فرض إرادته ، وهي تعتبر نفسها الطليعة المجاهدة والمناضلة حتى تنال مجتمعاتها وشعوبها حريتها كاملة غير منقوصة وتسترد ثرواتها التي انتهبتها الأنظمة الحاكمة ..
ومن ثم تتحمل الحركات الإسلامية كل عوامل الاضطهاد والتهميش في مجتمعاتها من الأنظمة الحاكمة كنتيجة لمواقفها هذه
ولقد عبرت شعوبنا المسلمة عن التفافها حول الحركة الإسلامية بمختلف فصائلها في أكثر من مرة وفي أكثر من مناسبة وفي أكثر من دولة على مختلف السنين والأيام والمناسبات ..
أن الرضا بالحد الأدنى وإعادة النظر في طبيعة العلاقة بين الحركة الإسلامية وكثيرٍ من الأنظمة الحاكمة والاستفادة من التجارب إلى آخر هذه المقولات ، فذلك يستدعي منا أن نذكر مقدمات لابد منها، حتى نحدد من خلالها ماهية مطالب الحركة الإسلامية من جهة ، وما هو قائم اليوم في عالمنا العربي والإسلامي من جهة أخرى ، ومن ثم نتناول مناهج التغيير المطلوبة في حال تصادم الرؤى مدللين على ذلك بالوقائع التاريخية الثابتة ..
مؤكدين أولا – إضافة إلى ذلك كله – أن أصحاب الفكرة الواحدة ليس لهم أن يتصادموا بل عليهم أن يتكاملوا، ولا يسمحوا لمواقف مؤقتة عابرة يمليها عليهم الواقع أن تشتت جهودهم وتفرق صفوفهم ..
ومؤكدين ثانيا أن الحركة الإسلامية مثلها مثل أي كائن حي متفاعل مع محيطه لا بد لها من مراجعات كل فترة من الزمن تقيم بها مسيرتها وتنتقد بها ذاتها في محاولة منها للتصحيح كلما كان ذلك ضروريا، إلا أنه ينبغي أن نفرق دائما بين المراجعات التصحيحية والتراجعات المنهجية .. 
إن المراجعات مندوب إليها مطلوبة ، أما التراجعات فهي ردة فكرية أو منهجية لا ينبغي لأي من المخلصين أن يسلك مسلك أصحابها أو أن يطرق بابها
إن المقدمات البديهية التي -أشرنا إليها وينبغي التأكيد عليها
أولها أن التيار الإسلامي بمختلف توجهاته من جهة ، وكثير من الأنظمة الحاكمة اليوم من جهة أخرى ، متضادان في طرحهما ورؤيتهما، ولا يمكن القبول بمقولة أن الخلاف بين هذا التيار وكثير من الأنظمة القائمة الحاكمة اليوم هو من نوعية الخلاف الذي يمكن أن يلتقي أصحابه مع وجوده .
فالتيار الإسلامي بمختلف توجهاته يؤمن بوجوب قيام دولة تتحاكم إلى دستور مستمد من التشريعات الربانية في كل مناحي الحياة ، ويعتبر أن القيمة الحقيقية للعدل تكمن في أن يذعن الجميع الحاكم والمحكوم لقانون لم يضعه أي منهما، وليس لأي منهما القدرة على تغييره ، أي أنه قانون أبدي يستمد قوته وقدسيته من قوة وقدسية من وضعه وهو في عقيدة المسلم الله عز وجل ، سواء كان التشريع مأخوذا من كتاب الله سبحانه وتعالى أم مأخوذا من صحيح سنة نبيه .
أما كثير من الأنظمة الحاكمة اليوم وبمختلف توجهاتها أيضا فإنها واقعا لا تذعن للتشريعات الربانية ، وأظهرت العداء لهذه التشريعات ومقاومتها ، وهي فوق ذلك تلتزم بقوى خارجية كفرية تدفعها لمقاومة هذه التشريعات والتنكيل بمن ينادي بها ، كما أنها أصبحت تعتقد أن مصالحها ونهب ثروات البلاد واستمرار سلطانها مرهون باستمرار هذه الحال ، وتغييب هذه التشريعات ..
إن هذه الأنظمة الطاغوتية لا يمكن بحال أن تقبل بسن تشريعات تساوي بينها وبين مختلف فئات الشعب ، فقد رسخوا لأجيال كثيرة أنهم فئة متميزة عن شعوبهم ..
ومن هنا يتبين أن الخلاف بين التيار الإسلامي من جهة ، وكثير من الأنظمة الحاكمة من جهة أخرى ليس خلافا من النوع الذي يقوم بين أبناء الفكرة الواحدة التي يمكن للأطراف المختلفة في إطارها أن يتجاوز كل منهما عن بعض مطالبه فيلتقيان في النهاية على صورة من صور اللقاء .
فأبناء الفكرة الواحدة الذين يحدث بينهم خلاف في جزئياتها أو كيفية تطبيقها ، يمكنهم أن يصلوا إلى حلول يتمكنون من خلالها من تقريب وجهات النظر بينهم ، أو على الأقل يحتفظ كل منهما بوجهة نظره على أن يحتفظوا بدرجة من درجات العلاقة غير التصادمية بينهما ، وليس هذا هو الحال بالنسبة لأصحاب الرؤى المتصادمة ..
وهذا يقودنا إلى المقدمة البديهية الثانية ونعني بها أن أصحاب الرؤى المتعارضة والمتصادمة لا يمكنهم الالتقاء ولكن لا بد لهم من مدافعة وصراع.

التعليقات

موضوعات ذات صلة