انتهى المؤتمر الإقتصادي على عدة مشاريع أثارت تفاؤلا كبيرا بين المصريين، ومن بين هذه المشاريع “العاصمة الجديدة” حيث كان له النصيب الأكبر من المؤتمر .
أعلنت الحكومة المصرية أن استثمارات المرحلة الأولى بالعاصمة الإدارية الجديدة تصل إلى 45 مليار دولار، ويستغرق من 5 إلى 7 سنوات، وتبعد عن قلب القاهرة حوالي 60 كيلومترا.
لكن هناك من شكك في نجاح هذا المشروع، لأن موقعه غير صحيح، والهدف من بناء العاصمة غير مقنع، كما أن تكلفة المشروع عالية جدا وليس توقيتها في هذه الأزمة التي تمر بها البلاد، والعشوائيات اكثر احتياجا من ناطحات السحاب.
موقع العاصمة الجديدة
لفت محلب إلى أن اختيار موقع عاصمة مصر الإدارية يعود إلى عبقرية المكان الذي تم اختياره في ظل قربه من شبكة الطرق الجديدة وقناة السويس وبعده عن مطار القاهرة ووسط العاصمة الحالية ومساحتها الكبيرة.
لكن الدكتور فيصل عبد المقصود، استاذ التخطيط العمراني، والإقليمي بجامعة المنوفية، أبدى عدم إرتياحه لموقع العاصمة الجديدة، نظراً لقربها الشديد من القاهرة، مؤكداً أنها ستتحول إلى امتداد للعاصمة القديمة، وليس بديل عنها.
وأضاف “فيصل” خلال مداخلة في برنامج “مصر في يوم” على فضائية دريم2، مساء السبت، أن التجارب العالمية عندما قرروا الإنتقال لعاصمة جديدة مثل البرازيل، ونيجيريا، كانت المسافة لا تقل عن 500 كيلو متر، موضحا أنه تم إجراء العديد من الدراسات، التي اتفقت في معظمها على أن منطقة “سهل المنيا الغربي” هى أفضل مكان لإقامة العاصمة الجديدة، لأنها تعتبر حلقة وصل بين الصعيد، والدلتا، كما أنها منطقة واعدة ومتميزة.
أما المعماري أدهم سليم -الباحث بمعهد شتيدل للدراسات المعمارية المتقدمة بألمانيا قال “ماينفعش تبني عاصمة جديدة بهذا القرب من العاصمة القديمة.. العاصمة الجديدة مش هاتكون أكتر من “مدينة تابعة” أو satellite city حسب المصطلح الأكاديمي بتدور في فلك المدينة القديمة.. مشاكل مدن الساتلايت تكمن بشكل رئيسي في وعدها الفاشل بالاستقلالية.. إنت بتبني مدينة جديدة عشان “تبعد” عن مشاكل القديمة (بغض النظر عن إنك بتبعد بس من غير ما تحلّ مشاكل القديمة، بس ما علينا).. لما تعملها قريبة جداً بالمنظر ده (أقل من 50 كيلومترا من العاصمة القديمة)، المدينة الجديدة هاتلبس كل مشاكل المدينة القديمة”، موضحا “على سبيل المثال شبكات الإنفرا بتاعة المدينة الجديدة هاتكون يا إما عبء مباشر عالقديمة، وكل لما يحصل ضغط على العاصمة الجديدة مواسير العاصمة القديمة تضرب، يا إما مشاكل العاصمة القديمة نفسها هاتكون عبء تخطيطي على شبكات العاصمة الجديدة، وهاضطر تعمل مخطط بشبكات مواسير أد الفيل عشان تستوعب ضغط المدينتين مع بعض”.
وقال صلاح جودة -الخبير الاقتصادى في لقاءه ببرنامج “آخر الأسبوع” على فضائية روتانا مصرية-: “إن مشروع العاصمة الإدارية هو مشروع فاشل وليس له قيمة، لأن هناك محافظات كثيرة تحتاج للتنمية وللتطوير لتستوعب سكان جدد من المحافظات المتخمة بالسكان، موضحا “أنه يفضل نقل كل المؤسسات الإدارية وأجهزة الدولة لمنطقة السادات بعيدا عن الكتلة السكانية لحل أزمة الزحام وليكون امتداد للعاصمة.
وانتقد حازم حسني أستاذ العلوم السياسية المشروع لأنه “يدفع بعاصمة البلاد للاقتراب من خط الجبهة العسكرية الأخطر؛ وهو خط القناة، بدلًا من تحصين العاصمة بالدفع بها إلى الداخل المصري، ولو حدثت كارثة ككارثة 67 لصارت العاصمة الجديدة على مرمى دانة مدفع، وهي دانة ستكون كفيلة ساعتها بإسقاط عاصمة الدولة”.
ويتفق الدكتور فخري الفقي، الخبير الاقتصادي والمستشار السابق بصندوق النقد الدولي، مع رأي حازم حسني حيث أكد أن اختيار الموقع الجديد للعاصمة يعيبه عدم وضع الأمن القومي في الحسبان لاقتراب العاصمة من محور قناة السويس وسيناء.
الهدف من العاصمة الجديدة
قال وزير الإسكان أن الهدف من المشروع تخفيف الازدحام عن مدينة القاهرة في الأربعين عاما المقبلة.
وأكد الدكتور جلال مصطفى سعيد محافظ القاهرة ان العاصمة الادارية الجديدة تعد نقلة نوعية ستساعدنا على الجهود المبذولة لاستعادة رونق القاهرة وتخفيف العبء عن العاصمة.
من جهته قال الدكتور خالد فهمي: “ليس للمرة الأولى أجد نفسي مضطرا أن أفكر في البديهيات حتى أستطيع استيعاب مدى التخبط الذي تتعامل به الحكومة مع مشاكلنا، أولى هذه البديهيات أن نقل المصالح الحكومية قد يخفف من الازدحام الذي تعاني منه القاهرة بعض الشيء، لكن كيف ستخفف هذه الخطوة من معاناة المواطنين؟ هذه المؤسسات الحكومية، ألا يتردد عليها المواطنون لقضاء مصالحهم؟ هل ستنتهي هذه المصالح إذا انتقلت الحكومة للصحراء؟ ألن تزيد هذه الخطوة من معاناة المواطنين الذي سيضطرون للسفر مسافات طويلة لقضاء مصالحهم الضرورية؟”.
واستطرد: “أم أن المقصود من هذه الخطوة الخطيرة ليس إنهاء معاناة المواطنين بل تقليل معاناة المسؤولين الحكوميين وموظفي الحكومة؟ وإذا كان الأمر كذلك هل يستحق هذا الهدف التقليل من معاناة الوزراء وحل مشاكلهم الأمنية، بكل هذه المبالغ الطائلة؟ وقد يقال إن المقصود ليس فقط نقل المسؤولين وحمايتهم من الازدحام والتلوث واحتمالات الهجمات الإرهابية، بل نقل أعداد كبيرة من المواطنين بالتدريج للسكن في المدينة الجديدة، فهنا تُطرح عدة أسئلة خطيرة، سياسية في المقام الأول، كان من الأجدى أن تطرحها الحكومة للنقاش العلني”.
وأردف: “أولى هذه الأسئلة تتعلق بالتكلفة الباهظة للمشروع، وبمقارنة جدوى إقامة هذا المشروع مع جدوى إنفاق ذلك المبلغ الضخم على العاصمة الموجودة بالفعل وحتى على المدن الأخرى في الوادي والدلتا، فلنا أن نتخيل ما الذي يمكن أن يحدثه إنفاق ٥٠٠ مليار جنيه على تحسين المواصلات العامة في القاهرة تبلغ تكلفة الخط الرابع للمترو ١٥ مليار جنيه، أي أنه إذا صُرف هذا المبلغ على المواصلات العامة فقط فسيكون للقاهرة ٣٣ خطا جديدا للمترو، أو حل مشكلة السكن، أو الارتقاء بالصحة العامة، بدءا من تطوير شبكة الصرف الصحي، وانتهاءً بمشكلة جمع القمامة في المدينة”.
تكلفة العاصمة الجديدة
أعلنت الحكومة المصرية أن استثمارات المرحلة الأولى بالعاصمة الإدارية الجديدة تصل إلى 45 مليار دولار، في المشروع ذي التصميم حديث الطراز على غرار مشاريع مدينة دبي.
وقال وزير الإسكان، مصطفى مدبولي فى تصريحات له أن تمويل العاصمة ادارية الجديدة لن يكلف الدولة ” مليما” واحدا، وسيكون التمويل ذاتيا بإعتباره مشروعا اقتصاديا بحتا من خلال المشاركة مع القطاع الخاص يهدف إلى تنمية عمرانية كبرى ستكون جاذبة للإستثمار موضحا أن هذه العاصمة ستكون مدينة ذكية خضراء ذات تخطيط عصرى.
وأشار الدكتور فخري الفقي الخبير الاقتصادي إلى أن الوضع الاقتصادي المتأزم حاليًا لا يسمح ببناء مدينة بهذا الحجم، لكن علينا أن نضع اللبنة الأولي لذلك، سواء عبر استثمارات عربية أو أجنبية، وهو ما يعني أن المشروع لن يكتمل قبل 10 سنوات من البداية فيه، وبصورة تدريجية، وبحسب قدرة الاقتصاد المصري على التعافي، وعوامل الجذب الاستثماري.
بينما وصف الناشط الحقوقي تامر وجيه المدينة الجديدة بأنها أكبر جريمة سترتكب في حق المصريين، مضيفا “لابد من اللي هيتدفع في المدينة هيجيب أكتر منه على المدى المتوسط والطويل، ماليا أو على الأقل تنمويا، يعني لمصلحة المواطنين .. بناء مدن جديدة بالمنهج ده هيوزع محاور التنمية في البلد بين مناطق جغرافية كتير، وبالتالي هيعيد توزيع السكان بشكل أقل تمركزا وأكثر انتشارا.. إلخ إلخ. وأضاف: طبعا المنهج ده، بالذات في ظل البلدان الديكتاتورية ذات التخطيط المركزي، اتوجهت له انتقادات كتيرة، منها على سبيل المثال لا الحصر، إنه فوقي وبيبني مدن على صورة مصالح البيروقراطية الحاكمة في سباق التراكم حتى لو أدى إلى سحق السكان، بل وأحيانا انتزاعهم انتزاعا من بيئاتهم الأصلية.
وأردف: العاصمة الإدارية الجديدة لمصر بقى وضعها إيه في ده كله؟ اللي قريته خطير جدا. اللي ناويين يبنوه هو مدينة مخملية جديدة، بس أكبر من أي مدينة مخملية اتبنت في مصر في العقود السابقة.
وأضاف: المؤلم إن الفكرة غير الديمقراطية دي، هيوازيها سعار عقاري ومالي ربما يخلق فقاعة اقتصادية مدوية ومدمرة إلى أبعد مدى. إحنا بنتكلم على ملايين الأمتار هتتباع وهيتضارب عليها، وعشرات الآلاف من الشقق والمباني وغيره اللي هتخش السوق. إحنا بنتكلم على فقاعة عقارية غير مسبوقة في التاريخ المصري. فقاعة عقارية هتسحب الثروات، وتشفط المدخرات، ناحية الاستهلاك الترفي للطبقات الغنية، يعني ناحية دورة رأس مال غير منتجة ومغلقة على ذاتها. .. وإيه النتيجة؟ النتيجة هي تعميق بؤس الليبرالية الجديدة اللي مصر، والعالم كله، عايشين فيه، ومش لاقيين منه مخرج لحد دلوقتي.
وعلق الخبير الاقتصادي سرحان سليمان على هذا المشروع متسائلاً: “كيف لدولة تستورد حوالي 75% من احتياجاتها من الخارج أن تفكر في مثل هذه المشاريع الضخمة طويلة المدى!؟ ليس من المعقول البحث عن عاصمة جديدة في الوقت الذي تعاني فيه الموازنة العامة من نقص هائل، والسياحة في أسوأ أحوالها، وغيرها من الأزمات الحالية”، مسترسلاً: ” ولكن من الأولى الحديث عن مشاريع إنتاجية قصيرة المدى لتساهم في حل الأزمة في الموازنة، وزيادة الحركة الاقتصادية؛ فالأولويات هي المحرك الرئيسي للخطط الاقتصادية والاستثمارية”.
ويرى يحيى شوكت، مسئول برنامج الحق في السكن بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، أن تكلفة المشروع تعتبر إنفاقًا غير ضروري في الوقت الحالي لأن مثل هذه المشاريع ستسبب إرهاقًا للموازنة العامة التي تعاني من أزمة اقتصادية.
وكريم إبراهيم، المدير التنفيذي لشركة تكوين لتنمية المجتمعات المتكاملة، قال: “ألمانيا، على سبيل المثال، قررت التوقف عن إنشاء طرق جديدة حتى لا ترهق الموازنة العامة لديها، ونحن نتكلم عن الدولة ذات الاقتصاد الأقوى في أوروبا”. وأضاف أنه علينا أن نركز نفقاتنا على ما هو قائم بالفعل والذي يمكن أن يؤثر بشكل واضح وسريع.
قال الخبير الاقتصادي أشرف دوابة إن الاقتصاد المصري يعاني من تنامي الديون الداخلية والخارجية التي تعدت ٢ تريليون جنيه، وعجز الموازنة المتوقع أن يبلغ ١٢% من الناتج المحلي الإجمالي ليقترب في نهاية العام المالي الحالي من ١٧٥ مليار جنيه.
وأضاف للجزيرة نت أن تمويل مشروع العاصمة الإدارية يزيد من الدين العام الخارجي، ومصر ليست في حاجة إليه الآن مع تنامي الثالوث المدمر: الفقر والجهل والمرض.
وقال المهندس والناشط السياسي ممدوح حمزة، إن العاصمة الإدارية الجديدة مشروع استثماري عقاري للأجانب في مصر، ولا تمت للعدالة الاجتماعية بصلة، مضيفا أنها لن تخدم المواطن المصري ، وضخامة المشروع تثبت ذلك.
ووصف «حمزة»، في تصريحات لـ«الشروق»، المشروع الذي عرضه وزير الإسكان خلال فعاليات المؤتمر الاقتصادي أمس، بأنها مدينة مستوردة، لن تخدم مصلحة المواطن المصري، وضخامة المشروع تثبت ذلك.
واعتبر حمزة فكرة انشاء مدينة استثمارية كبيرة تضم أماكن ترفيهية هو مجرد تقليد أعمي لمدينة “دبي” في الإمارات، التي لها ظروف خاصة، كما أن معظم ساكنيها من الأجانب، لكن إنشاء عاصمة بديلة للقاهرة العريقة تغيير للتاريخ، مؤكدا أنه لو تم اقتراحه في باريس أو لندن سيعتبر من اقترحه “مختل عقليا” بحسب وصفه.
بين ناطحات السحاب والعشوائيات
قال رجل الأعمال الإماراتى محمد العبار رئيس مجلس الإدارة مجموعة “إعمار” إن “أعلى برج في إفريقيا سوف يكون بين الإنشاءات التي ستشهدها العاصمة الجديدة.”
ورد على قول الغبار أستاذ العلوم السياسية حازم حسني قائلا إن البلاد “غارقة في المجاري وفي الظلام، وفي تلال من المشاكل الحياتية البسيطة، وتفكر في إقامة مدينة ناطحات سحاب، بها أكبر مدينة ملاهي وأكبر حديقة في العالم، إلى آخر هذا الشرود البذخي خارج السياق مما أضحك علينا بكل تأكيد كل الوفود الأجنبية”.
وأكد وزير الاسكان على أنه سيتم بناء وحدات سكنية لمحدودي الدخل في المحافظة الجديدة مشيرًا إلى أنها لن تقتصر على الأغنياء فقط.
فيما رأى فؤاد حامد الخبير الاقتصادي أنها ستكون منطقة اسثمارية بحتة في المقام الأول، ولا مكان للفقراء فيها، وعما يثار من نقل الفقراء والعشوائيات إلى منطقة جديدة، قال إن هذا سيكون بمثابة مشروع جديد بالتوازي مع “العاصمة الجديدة”
وقال الفنان محمد صبحي: “العاصمة الجديدة لن يسكنها سوى الأثرياء وستبقى أزمة العشوائيات سُبة في جبين مصر”.
وتساءل الخبير الاقتصادي رضا عيسى علي الامر في تدوينه له علي موقع التواصل الاجتماعي: “كيف لنا ان نتجه لعاصمة جديدة ولم نفكر بالجانب الآخر من العاصمة عند تشييدها؟”، مشيرا إلي أن مشكلة سكان المقابر تفاقمت، وأحياء عشوائية كاملة تضم نسبة هائلة من سكان مصر، فى الوقت الذى انتشرت فيه القصور والمنتجعات فى القطامية وغيرها.
العاصمة الجديدة.. ما بين الحلم و الحقيقة..!!

التعليقات