التجرد
بقلم/محمد مختار المقرئ رحمه الله
الإخلاص.. التجرد.. إنكار الذات.. عدم انتظار المقابل.. قبول المنصب قبول المضطر.. والترشح له لا لغرض إلا لأمانة المسئولية، ولقطع الطريق على من ليس للمنصب أهلاً ومن كان له فيه مأرب… هذه الصفات قل أن تجدها إلا في مسلم صادق غير دعي ولا متشبع بما لم يعط، وبعيد بعيد أن تجدها ـأو تجد بعضاً منهاـ في أصحاب الأيدلوجيات البشرية والتصورات الدنيوية، وهذا تاريخ القوم ـفي مصر نموذجاًـ لا تجدهم إلا بين بضع تطلعات: ترف القصور وانحلالها وفسادها، الشهرة والجاه، الزعامة وتضخيم “الأنا”، الثروة والنفوذ، وهي على هذا الترتيب تتابعت في تاريخ مصر الحديث، منذ محمد علي وأسرته وإلى فاروق، ومروراً بعبد الناصر والسادات، وإنتهاء بمبارك.. ولو حللت شخصيات الكثيرين من المتصدين للعمل العام، والمشاركين في مضمار السياسة لن تخطيء هذه الملامح التي ذكرت.
وشتان شتان بين تزكية يوسف ـ عليه السلامـ نفسه: (قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ) [يوسف : 55]، وبين تزكية فرعون نفسه : (وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ فَلَوْلَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِّن ذَهَبٍ أَوْ جَاء مَعَهُ الْمَلَائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ) [الزخرف : 51ــ 54].
وبهذا الميزان يجب أن نقوم المرشحين، وكذلك المطالبين بمناصب كشروط للتوافق والتضامن، ولا يستقيم أن نحكم على جميع من اشترطها بالابتزاز، ولكن للبصائر تمييز، ولأهل البصيرة فراسة، وفراسة المؤمن تكاد لا تخطئ، فـ” اتق فراسة المؤمن ” فإنه ينظر بعين الله.
أما الذي هو مسار الدهشة والعجب؛ فأن ترى القتيل يهتف باسم قاتله، وهو ما لا أكاد أصدقه، إلا أن يكون القتيل ليس بقتيل، وهو ما أصنف به من اختاروا القاتل، ذلك أنهم لم يطالهم من أذاه شيئاً، ولكنهم كانوا ـ ويأملون أن يكونوا ـ من المنتفعين ، أو أنهم ممن فتنهم الإعلام الأعور، رغم البرهان القاطع بأنه دجال.
التجرد

التعليقات