الدكتور عمر العالم القدوة
كتبه الشيخ : على محمد على الشريف
لقد جاورت الشيخ الجليل الدكتور عمر عبد الرحمن سنوات عديدة منها ثلاث سنوات كاملة لم أفارقة ليلا ولا نهارا وذلك فى مستشفى ليمان طره.
والسجن يظهر معدن الرجال والصحبة الطويلة تكشف كل شىء وكانك تقرأ من كتاب مفتوح فما من عمل صغيرا كان او كبيرا إلا وقد كان أمام عيني وما من كلمة قيلت إلا وقد سمعتها فأنا والشيخ وبعض الأخوة كنا في حجرة واحدة لمدة ثلاث سنوات وقد كنت المقرب من الشيخ المحبب إليه فلم يكن أحد من مجلس الشورى معنا في المستشفى غيري.
من أجل ذلك أحببت أن أدلي بشهادتي نحو هذا العالم الجليل لكي يعرفه من لم يكن يعرفه ويزداد له معرفة من كان يعرف بعض الأشياء دون بعض.
في الحقيقة لم تر عيني رجلا أعبد لله ولا أكثر اجتهادا في العلم ولا في الذكر منه فقد كان يصلي قيام الليل يوميا وكأنه فرض وكان يطيل القيام حتى أن بعضنا كان يصلي جزء ويرجع إلى فراشه فينام والشيخ واقف في محرابه يصلي بصوته الجميل.
وكان الشيخ – حفظه الله – كثير الصيام حتى أنه كان أحيانا يسرد الصوم عاما كاملا لا يفطر فيه إلا أيام الأعياد.
وكان محبا للعلم شغوفا به مواظبا عليه فينادي على الأخ لكي يقرأ له فيمكث الأخ في قراءته أكثر من ساعة فيمل ويتعب فلما يستشعر الشيخ تعب الأخ يقول له حسبك هذا ثم ينادي على غيره من الأخوة ليقرأ له حتى يتعب فيرسل إلى غيره وهكذا كل يوم.
وكان يكثر من تلاوه القرآن فما من وقت يكون فيه فارغا إلا وتسمعه يتمتم بالقرآن بصوت منخفض، وكان يحافظ على أذكار الصباح والمساء كأنهما من الفرائض.
وكان عاشقا للدعوة إلى الله لا يكل منها ولا يمل بل كان يجد سعادته فيها فكان يجوب محافظات مصر ومراكزها وقراها داعيا إلى الله حتى عندما دخل السجن كان يعطينا الدروس ويخطب بنا الجمعة ويمكث الساعات في تحضيرها حتى أني سألته مرة قائلا له يا مولانا أنت أستاذ ورئيس قسم التفسير بجامعة الأزهر أراك تعد لكل خطبة إعدادا طويلا فقال لي :إن من أسباب التوفيق في الخطبة أن يعد لها إعدادا جيدا فإن الأجر عند الله على قدر المجهود وكذلك جودة الخطبة مرتبط بتعبك.
وكان الشيخ عمر قليل الكلام وذلك لانشغاله بالعلم والعبادةولم يكن الشيخ يحب التشدد فى فتواه بل كان مقتديا برسول الله صلى الله عليه وسلم فى ذلك فقد روت عائشة رضى الله عنها انه ما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين الا اختار ايسرهما ما لم يكن إثما .
ولم يكن الشيخ يتعجل فى فتواه بل يتريث ويفكر قبل أن يجيب السائل فكنت أولا اتعجب من ذلك حتى قرأت أن من آداب المفتى الا يتعجل فى فتواه وكان محبا للتيار الإسلامى كله معتبرا نفسه منتميا لجميع المسلمين .
وكان متواضعا زاهدا يلبس الملابس العادية رغم أنه كان ميسور الحال يستطيع أن يلبس الملابس الفاخرة. وكان يساعد الصغير والكبير ويستمع إلى الغنى والفقير فاى أخ كان يأخذ الشيخ فى ركن يناجيه الزمن الطويل فكنت أتعجب من تواضعه .
وكان الدكتور عمر كثير الكرم فكنا معه فى المستشفى أكثر من عشرين أخا فكان معظم أكلنا من نفقته الخاصه فكان يوصى اهله – حفظهم الله – بإحضار الطعام الكافى لجميع الأخوة فى عنبر المستشفى وكان يأكل معنا كواحد منا لا فرق بينه وبيننا وكان يسأل عن الأخوة الذين لا تاتيهم زيارات لفقر زويهم او لبعد المسافة فكان يشتري لهم الملابس ويعطيهم بعض الأموال وأتذكر إننى كنت مر حلا من مستشفى اليمان إلى مستشفى القصر العينى أنا وبعض الأخوة فاعطانى مبلغا من المال لنصرف منه فى مستشفى القصر العينى وبعد عدة أيام أرسل إلينا مبلغا آخر مع احد الأخوة القادمين من مستشفى الليمان .
وكان الشيخ عمر يحب الفكاهة وكان سريع البديهه له قفشات جميلة . وكان محبوبا من جميع الأخوة من جميع التيارات الإسلامية وكانت الأخوة جميعا يبجلونه ويحترمونه. ولو أردت أن أذكر كل مواقف الشيخ العظيمه ما وسعنى الوقت ولا المكان ولكن هذه قطرة من بحر مواقفه العظيمة . نجى الله شيخنا العظيم الدكتور عمر وجعل أعماله الصالحة جبالا من الحسنات يوم القيامة يوم لا ينفع مال ولا بنون الا من أتى الله بقلب سليم .