كورة .. كورة
مقال كتب يوم فازت مصر بكأس الامم الافريقية عام 2012
بقلم: المهندس أسامه حافظ
أعلم أنني أسبح ضد التيار خاصة في هذه الأيام عندما أقول أنني لا أحب الكرة ولم تكن يوما ً بعضا ً من هواياتي لا في صغري ولا في الكبر.. ولا أتصور كيف يجلس الآلاف في الإستاد منذ الصباح الباكر بين التهليل والضجيج.. ليتفرج في النهاية على شباب يجري خلف الكرة ليركلها بعد ذلك يمنة ويسرة.
ووقت نهائي كأس الأمم.. كنت أسير في الطرقات الخالية ذاهباً لأحلق شعري.. ولم يخطر هذا النهائي ببالي ولم أهتم به لما سبق.
لذلك فإنني عندما أتعرض لهذه ـ الهوجة ـ التي صاحبت الفوز بالبطولة أقيمها وأنا متحرر من الانبهار بهذا الانجاز ـ غير المسبوق ـ كما يدعون.
والآن نعود للتساؤل وأنا شديد التعجب.. ما هذا الهرج والسخف ؟؟ 25 مليون جنيه تبرعات للاعبين من رجال أعمال ومن غيرهم غير المكافآت الرسمية.. وطائرة خاصة تذهب بهم وتجئ.. وملايين تنفق في سفريات ومرتبات.. ونوادي تنفق ملايين أخري في استقدام المدربين وشراء اللاعبين ومكافآت وبدلات ومرتبات لماذا.. ماذا يقدم هؤلاء للبلد؟.
كل هذا الإنفاق في بلد تتوالي فيه الاعتصامات والإضرابات من خيرة علماء البلد من أساتذة الجامعات والأطباء والمهندسين.. لأجل ملاليم يراد زيادة مرتباتهم الهزيلة بها فيقال لهم: إن الميزانية لا تسمح.
كل هذا في بلد يتقاتل الناس فيها على رغيف الخبز المدعم.. بينما يسعي الوزير الغالي لإلغاء الدعم لأن الميزانية لا تحتمل هذا الدعم.
كل هذا في بلد يعيش كثير من سكانه تحت خط الفقر وفي المقابر والعشوائيات.
هل كل هذه الأموال تنفق في موضوع الكرة.. من فضائيات وصحف ومدربين ولاعبين وأندية وغير ذلك.. استثمار يرجع على البلد بشيء مفيد ذي قيمة يناسب ما ينفق عليه؟ ما هذا السفه في الإنفاق ومن المسئول عنه ؟.
خبير أجنبي ـ نعم والله يسمونه خبيرا ً ـ يعطي كل طلعة شمس عشرون ألف جنيه لكي يدرب نادياً شهيراً..ماذا يقدم هذا الخبير للنادي أو لمصر؟..
ولماذا يقبع خبراؤنا الحقيقيون وعلماؤنا في معاملهم وهم لا يجدون ما ينفقونه على أبحاثهم ودراساتهم؟ بينما يأخذ هؤلاء الدجالون الأجانب أموالنا ليعلموا هذا الشباب اللعب.. وهو مجرد لعب إن كان اللعب يحتاج لتعليم ومعلمين ـ بينما علماؤنا يضطرون للفرار إلي الخارج للبحث عن مكان يستطيعون فيه الإنفاق على أبحاثهم وعلمهم.
عشرات ومئات الصحف والمحلات تتخصص في الكرة واللاعبين تناقش تفاهاتهم وسخافاتهم وعبثهم.. بينما لا توجد في بلادنا مجلة علمية واحدة رصينة تعرض أبحاث علمائنا التي أفنوا أعمارهم في إعدادها.. وها هي تقبع في الأدراج لا تجد من ينشرها أو يشيعها بين أهل الاختصاص.
احتفالات ومهرجانات وتكريمات وهدايا واستقبالات حاشده للفريق الكروي.. يغرق فيها اللاعبون في الحفاوة والتكريم وتملأ أخبارها صفحات الصحف وعناوينها بينما يروح ويجئ ويموت ويسافر علماؤنا وفقهاؤنا ولا يسمع بهم أحد.
بل والعجيب إنك لن تسمع عن عالم أو فقيه أو أديب مصري.. إلا إذا كرمه الآخرون ومنحوه جوائزهم.. لأنه لا كرامة لنبي في وطنه ولأن الناس مشغولة بتكريم أمثال هؤلاء والحفاوة بهم.
لقد صار هؤلاء هم قدوة أبنائنا ومثلهم العليا.. وصار الصغار يتمنون إذا ما كبروا أن يصير الواحد منهم لاعب كرة.. أو ممثلاً أو راقصة بعد أن كان كل منهم يري في العقاد ومصطفي مشرفة ومحمد عبده قدوته ومهبط تطلعاته.
من الذي يدير هذه الآلة الضخمة لصرف الناس عن مهماتهم العالية.. ومثلهم العليا إلي هذه الأمور؟ وإلهاء الشباب بالكرة والتمثيل والكليبات؟.
وما هو الهدف بالضبط من تضخيم هذا اللعب وتقديمه بين الناس على أمور دينهم ودنياهم؟ وهل هذا حقيقة هو ما ينبغي أن ينشغل الناس به؟؟؟