(4)
الفصل الأول
** وجوب إعلاء الدين **
من الثابت المتقرر , والشائع المستفيض , في نصوص الكتاب والسنة أن الأمر بالجهاد,إنما هو في صورته النهائية , لإعلاء دين الله وإقامة سلطانه في الأرض,وإظهار دينه علي الدين كله , وجعل الهيمنة المطلقة لكتابه وشرعه علي كل ما سواها .
ونحن نسوق الآن , بعض دلائل القرآن المجيد , والسنة المطهرة , علي سبيل قامة البرهان , لا علي الاستقصاء والحصر .
[ البرهان الأول ]
قال تعالي {وقاتلوا حتى لا تكون فتنه ويكون الدين كله لله }(1) ولما تقرر, أن الله تعالي لم يكلفنا بإكراه الناس علي الإيمان بعقيدة الإسلام كما قال تعالي {لا إكراه في الدين} (2) {افأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين} (3)
لما تقرر ذلك فقد لزم أن يكون قوله تعالي {ويكون الدين كله لله} هو الدينونه لشرعته والخضوع لسلطانه , فلا يعلوا شرع فوق شرعه ولا معه , ولا يعلوا سلطان فوق سلطان كتابه ولا معه , والدين يأتي في كتاب الله بمعني الشريعة نصا كما في قوله تعالي {إن عدة الشهور عند الله أثني عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم} (4)
إذا صح ذلك , فقد ثبت وجوب العمل لإعلان حكم الله وشريعته ورفع سلطانه وتحطيم كل سلطان علي البشر دون سلطانه “سبحانه” لأنه أوجب القتال , وربطه بهذه الغاية {يكون الدين كله لله}
ولا يمكن أن يصل المسلمون إلي الإيمان الكامل دون أن يقيموا حكومة إسلامية ومجتمعا إسلاميا , وهيهات أن يكونوا مسلمين دون أن ينفذوا قانون الله وشرعته , ومن ثم يقتضي دينهم وإيمانهم أقامة نظام خلافة إلهية وتطبيق قانون الله , في كل أمور حياتهم وعلاقاتهم لأن أقامة حاكميه الله هي الهدف الذي يبعث من أجله الأنبياء “عليهم السلام” وقد طلب من الرسول – صلي الله عليه وسلم – قبل الهجرة أن يدعوا {وقل ربي أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق وأجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا} يعني أن يعطيني السلطة أو تسخر لي حكومة تؤازرني وتعاضدني , كي أستطيع بها تقويم اعوجاج الدنيا وإصلاح انحرافها , وأوقف تدفق سيول المعاصي والفواحش , وأنفذ قانونك العدل (5)
[ البرهان الثاني ]
قال تعالي {قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله تعالي ولا باليوم الأخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون} (6) وهذه الآية المحكمة من قواعد الدين وعماد الإسلام وقد نصت علي وجوب القتال لمن لا يحرم ما حرم الله ورسوله وهذا برهان جلي في وجوب إعلاء شرع الله ودينه .
وكذلك قول الله تعالي {حتى يعطوا الجزية عن يد} وهو نص علي إعلاء الدين وجعل السلطان في الأرض , سلطان الله , لأن الذي يفرض الجزية لابد أن يكون ذا سلطان علي , وكذلك جعلهم يعطون الجزية {عن يد} وهي مفاد الذلة والضعف يوجب كون حكم الله أعلي سلطانا , وغلبه , وقهرا ثم هذا الحكم الجامع المانع {ولا يدينون دين الحق}
فلازمها وجوب السعي لإعلاء حكم الله واسفال أي حكم أو شرع أو سلطان دون شرعه وسلطانه .
وذلك أن قوله تعالي {ولا يدينون دين الحق} لا يخلوا ممن وجهين لا ثالث لهما إما أن يكون المقصود هو دخولهم في الإسلام قهرا وإما أن يكون المقصود هو إخضاعهم لسلطان الله وشرعه , والأول فاسد بنص الآية حيث يقول تعالي {حتى يعطوا الجزية} وكذا لما تقرر سلفا لا إكراه في الدين , فلم يبقي غير إخضاعهم لسلطان الله وحكمه. وهذا ظاهر جلي , وبالله تعالي التوفيق …
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الأنفال / 39
(2) البقرة /256
(3) يونس / 99
(4) التوبة /36
(5) المودودى “الحكومة الإسلامية / 18
(6) التوبة / 29