القائمة إغلاق

الغابة(2)

الغابة(2(
بقلم: الشيخ عبود الزمر

وعلى الجانب الآخر شعرت الوحوش الضواري بأن هناك ضرراً بالغاً يفوّت عليهم الصيد, ويحرمهم من أكل اللحم, وكلما غامر سبع بالهجوم على قطيع أسرعت عناصر التحذير بالتبليغ, فتفشل الغارة قبل وقوعها, بل وقد يتعرض السبع إلى كمائن مفاجئة يشبع فيها نطحاً يصيبه بجراح ربما أودت بحياته, فقرروا عقد اجتماع عاجل يحضره كبير كل فصيل من الوحوش ليرتبوا أمورهم في هذا الموقف العصيب.
قال الأسد : نحن نجتمع اليوم يا سادة لننظر فيما ألمّ بنا نحن أكلة اللحوم فلا يخفى على أحد منكم ما نلاقيه من صعوبات بعد تلك الدعوى التي أطلقتها فئة منحرفة, تمنعنا حقنا أن نأكل طعامنا الذي تعودنا عليه.
قال النمر : ليأذن لي فخامة الملك أن أنضم إلى موقفه الرافض لتلك الدعوى الفاسدة التي حرمتنا حقنا وأطالب بموقف صارم تجاه هؤلاء, ولا أرى بأساً من شن حرب موسعة على قطيع من أكلة العشب فنقتل بعضهم ونأسر الباقين.
الثعلب : عفواً يا فخامة الملك لتدخلي في حديث معالي الوزير وتكلمي قبل دوري في المحفل الكريم ولكن المصلحة العامة دفعتني, وشفقتي على المستقبل شجعتني.
الأسد : تكلم أيها الثعلب .
الثعلب : لو أننا فعلنا ما قاله سيدي الوزير لهلكت القطعان في وقت قصير, ولعاد ذلك علينا بالضرر الكبير.
الأسد : كيف؟ أفصح لنا عن مكنون كلامك!!
الثعلب : إذا ما هاجمنا قطيعاً مجتمعين فسوف تقع فيهم مقتلة عظيمة أكثر من حاجاتنا لطعام يومنا وليلتنا , وبالتالي سيفسد اللحم الباقي ولن نستفيد منه.
النمر : “مقاطعاً” ولكننا سيكون لدينا أسراء يمكننا أن نأكل منهم كلما أردنا ذلك
الثعلب : مهلاً يا سيدي النمر إن الأسير المحتجز من أكلة العشب لن يتناول طعامه بشكل طبيعي لأنه يشعر بفقدان الحرية, وكثير من الحيوانات يهلك جوعاً وعطشاً إذا فقد حريته بالرغم من وجود الطعام والشراب بين يديه.
ابتسم الأسد وهو ينظر إلى الثعلب في إعجاب “وقال:
اقترب هنا إلى جواري أيها الثعلب الداهية, فإن الأمر يحتاج إلى رأي ثاقب ومعالجة غير تقليدية.
وثب الثعلب وقد نثر شعر فروته في سرور, بينما زمجر النمر زمجرة خفيفة خرجت منه عن غير إرادته خوفاً على اقتراحه ومكانته, ولكن صوت الذئب غطى على ذلك بعواء قصير طلب منه الكلمة ثم أردف قائلاً:
الأمر فعلاً يحتاج إلى أساليب مبتكرة
الأسد : موجهاً حديثه إلى الذئب : وهل لديك شيئاً منها.
تلعثم الذئب فلم يكن قد أعد رأياً أو محّص فكرة , ففطن الأسد إلى السبب الحقيقي الذي دفع الذئب إلى التدخل, وبادر إلى معالجة الأمر مخاطباً: عفواً … أكمل حديثك أولاً أيها الثعلب فالكلمة لا تزال معك.
الثعلب : أطال الله عمر مولانا الملك, الذي أقصده أنه لا بد من تفتيت هذا التكتل الذي اجتمعت حوله الحيوانات من أكلة العشب.
الأسد : زدنا بياناً .
الثعلب : لا بد من مراودة ومساومة بعض المتحالفين معهم وسوف يؤدي ذلك إلى إضعاف شوكتهم .
الأسد : مثل منْ ؟!
الثعلب : الفيلة والخراتيت.
وهنا تدخل الغراب الذي يقف في أعلى الشجرة قائلاً:
الفيلة ليسوا كالخراتيت.
الأسد “وقد رفع صوته وراسه في اتجاه صوت المتحدث “: ما الذي أدخلك في الحديث وكيف تواجدت في الاجتماع.
الغراب : أنا واحد منكم اتغذى على بقايا فرائسكم , فالذي ينفعكم ينفعني وأنا لكم ناصح متابع
الأسد : {بعد أن نظر في عجالة إلى عين النمر والذئب فرأى منهما رغبة في تدخل الغراب للحد من نفوذ الثعلب} لا بأس أيها الغراب أوضح ماذا تعني بهذا الفرق؟
الغراب : لا شك أن الفيلة والخراتيت من أقوى الداعمين للدعوى ولكن الفيلة أنفع والخراتيت قد تضر. ثم أكمل كلامه وسط دهشة الجميع قائلاً:
فالفيلة سليمة البصر, فإذا ما نشبت معركة كان لهم قوة باطشة تعرف خصمها, ولكن الخراتيت لا تكاد ترى فتندفع إلى حيث مصدر الصوت فلربما قتلت أصدقاءها قبل عدوها وهذا هو الفرق بين القوة المبصرة والقوة العمياء!!…
تحولت الوجوه في لحظات إلى الغراب , فقد خطف الأضواء من الثعلب الذي بدأ يطوي ذيله الطويل, وهنا شعر الأسد أن الأمر يحتاج إلى حزم حيث أدرك أن صفاء النفوس في إدارة هذه الأزمة مطلوب, ولكن الحوار بات يسير في عكس الاتجاه, فبادر إلى إعلان قراره التالي : ” تشكيل لجنة من النمر والذئب والثعلب والغراب لوضع خطة تفصيلية لاحتواء الفيلة وإخراجهم من دائرة الصراع” رفعت الجلسة.
انصرف الحضور .. واجتمعت اللجنة في عرين النمر واتفقوا على الطريقة التي سيدار بها الحوار مع الفيلة, وحدود المفاوضات معهم وأن الغراب هو المفاوض الأول والثعلب هو المفاوض الثاني, وتم عرض تلك الرؤية التفاوضية على الأسد فصدّق عليها وأمر بالتنفيذ الفوري.
(3)
وقف الغراب على شجرة مجاورة لموقع كبير الفيلة وهو يحمل في فمه غصن زيتون دليلاً على حسن النوايا ومساعي السلام , ثم خفق بجناحيه , فلما أحس به الفيل , ألقى بغصن الزيتون بين يديه , وأقبل عليه محيياً , فرد الفيل التحية وسأله : ما وراءك أيها الغراب ؟
الغراب : جئتك براحة البال , وهدوء الحال .
الفيل : الحمد لله أنا مستريح البال وهادئ الحال .
الغراب : أتأذن لي أولاً أن أقترب منك أكثر .
الفيل : لا بأس اقترب .
الغراب : وثانياً أتسمح بحضور أحد أصدقائي وهو الثعلب جاء معي ناصحاً شفوقاً .
الفيل : بالرغم من أن الثعلب مشهور بمكره وخداعه إلا أنني لا أخشاه فليقف إلى جوارك .
وثب الثعلب إلى جوار الغراب وهو يقول : خالص التحية لفخامة الفيل على حسن استقباله لنا .
الغراب : كيف تكون سعيداً بحياتك أنت وزملاؤك من الفيلة , تدخلون معارك مع الأسود والنمور والذئاب , وكل يوم يسقط قتلى وجرحى منكم .
الفيل : إنني أقف داعماً لقضية عادلة وأضحي من أجلها .
الثعلب : كيف تضحي وأنت غير مستفيد من وراء ذلك ؟!
الفيل : بل يكفيني أن أكون صاحب مبدأ أدافع عنه .
الغراب : أرجو أن يفسح لي الفيل صدره لأقول له أن هذا الموقف خاطئ فكيف تكون أمامك فرصة للعيش الهانئ بعيداً عن المخاطر وتختار الطريق الصعب الملئ بالأشواك .
أصغى الفيل إلى هذه الكلمات وقد تدلى خرطومه أمام ساقيه يتارجح .
وفي تلك اللحظة وثب الثعلب خطوة إلى الأمام وأراد أن يطرق الحديد وهو ساخن فقال : لقد جئناك بعرض مغر من الوحوش مفاده أنك آمن وزملاءك الفيلة من أي هجمات فتأكل وتشرب وتتحرك في الغابة كيفما تشاء دون أن يتعرض لكم أحد .
أشاح الفيل بوحهه إلى الجهة الأخرى ثم قال : وما المقابل ؟!! فليس في عالم السياسة عطاء بلا مقابل ولا تنازل بلا ثمن .
أجاب الغراب بسرعة : أن تنسحبوا من تحالفكم .
صمت الفيل برهة خشى فيها الثعلب أن تكون الإجابة على غير ما يريد فبادر قائلاً:لا تتسرع سيدي في قرارك فالأمر لا يخصك بمفردك , بل معك من إخوانك الفيلة من لهم عليك حق التخفيف , فقلّب الأمر لثلاث ليال نتركك فيها وسنعود إليك لنري رأيكم النهائي .
الفيل : اتفقنا
انصرف الثعلب ومن خلفه طار الغراب عائدين من حيث أتيا..
………
يتبع

التعليقات

موضوعات ذات صلة