القائمة إغلاق

الحركة الإسلامية والوسطية 2

الحركة الإسلامية والوسطية 2
بقلم الشيخ : محمد مصطفى المقرئ (أبي إيثار)

مفهوم الوسطيّة

الوسطيّة هي الإسلام، الإسلام بكلّ شرائعه. وغياب هذا الفهم هو الذي أصاب مفهوم الوسطيّة عند بعضنا بخلل عظيم، حتّى صار كأنّه أمر نسبيّ، فكلّ من وقف بين طرفين، أو بين متقابلين؛ إعتبر نفسه صاحب منهجٍ وسطٍ معتدل، حتّى وإن كان – في موقفه هذا – قد جافى الخير عند كلٍّ منهما!!
والدين يسرٌ.. يسرٌ بكلّ شرائعه {يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر} [البقرة: 185]، {يريد الله أن يخفّف عنكم} [النساء: 28]، {ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج} [المائدة: 6]، {وما جعل عليكم في الدين من حرج ملّة أبيكم إبراهيم هو سمّاكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيداً عليكم وتكونوا شهداء على الناس} [الحجّ: 78].
إذاً فالوسطيّة هي الإسلام، وليس ثمّ فيه ما هو تشدّد أو غلوّ، فالتزام شرائعه كلّها، ما شقّ على نفوسنا وما لم يشقّ؛ هو اليسر بعينه، لأنّ ما شقّ ليس لأنّه في ذاته كذلك، بل لضعفٍ فينا نُسأل عنه، وقصور منّا عن الارتقاء لمقامه، قال تعالى: {واستعينوا بالصبر والصلاة وإنّها لكبيرة إلا على الخاشعين} [البقرة: 45]، {كُتب عليكم القتال وهو كره لكم} [البقرة: 216]، {لو كان عَرَضاً قريباً وسفراً قاصداً لاتّبعوك ولكن بعدت عليهم الشقّة} [التوبة: 42].. فثِقل الصلاة، وكراهية القتال، ومشقّة اتّباع النبيّ صلى الله عليه وسلم والخروج معه.. لم تكن مشقّتها من جهة التكاليف ذاتها، وإنّما من جهة ضعف بعض المكلّفين بها، وهذا فارق دقيق يميّز بين أمرين:
الأوّل: التهاون في امتثال أوامر الله استثقالاً لها، مع تعليق القعود عنها على مشجب المصالح والمفاسد، والاستطاعة وغيره.. {يقولون لو كان لنا من الأمر شيء ما قُتِلنا ها هنا} [آل عمران: 154]، {وقالوا لإخوانهم – إذا ضربوا في الأرض أو كانوا غُزّىً – : لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قُتِلوا} [آل عمران: 156]، {وقيل لهم تعالوا قاتلوا في سبيل الله أو ادفعوا قالوا لو نعلم قتالاً لاتّبعناكم} [آل عمران: 167]، {وسيحلفون بالله لو استطعنا لخرجنا معكم} [التوبة: 42].
والثاني: العجز الحقيقي عن إقامتها، مع تمنّيها والإعداد لها وترقّب كلّ لحظة إمكانها ورجحان مصلحتها… {ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرجٌ إذا نصحوا لله ورسوله ما على المحسنين من سبيل والله غفور رحيم ولا على الذين إذا ما أتوكَ لتحملهم قلتَ لا أجد ما أحملكم عليه تولّوا وأعينهم تفيض من الدمع أن لا يجدوا ما ينفقون} [التوبة: 91 – 92].
والضعف ضعفان:
الأوّل: ما كان عجزاً لا إراديّاً يُعذر به المكلّف، ممّا لا يدخل تحت طاقته، أو ممّا تُسلب فيه إرادته فيكون مُكرهاً عليه أو مُضّطراً إليه.
وهو مع ذلك مطالب بالعمل على الخروج من حالة الضعف، وفعل ما يقدر عليه مما يتيسّر له، فالقاعدة – كما يقول العزّ ابن عبدالسلام – : «الميسور لا يسقط بالمعسور».
وهؤلاء هم الذين سمّاهم الله تعالى «مستضعفين»، ووعدهم النصر والتمكين، كما قال تعالى: {ونريد أن نمنّ على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمّة ونجعلهم الوارثين * ونمكّن لهم في الأرض ونُريَ فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون} [القصص: 5 – 6].
والثاني: ما كان عجزاً بتفريط من المكلّف وبسبب منه، أو باستسلامه لحالة العجز التي تحلّ به، سواء كانت حالة لا إرادية لا دخل للغير فيها أو بقهر من الغير.
وهؤلاء هم الذين سمّاهم الله تعالى «ضعفاء»، كما قال سبحانه: {وإذ يتحاجّون في النار فيقول الضعفاء للذين استكبروا إنّا كنّا لكم تَبَعاً فهل أنتم مغنون عنّا نصيباً من النار} [غافر: 47].
أو كما قال تعالى: {وبرزوا لله جميعاً فقال الضعفاء للذين استكبروا إنّا كنّا لكم تبعاً فهل أنتم مغنون عنّا من عذاب الله من شيء} [إبراهيم: 21].
وهذا الضعف هو الذي عناه رسول الله صلى الله عليه وسلم في تحذيره أمّته – بأبي هو وأمّي – : «يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأَكَلة إلى قصعتها» قالوا: أمن قلّة نحن – يومئذ – يا رسول الله؟ قال: «بل أنتم يومئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعنّ الله المهابة لكم من صدور أعدائكم وليقذفنّ في قلوبكم الوهن» قالوا: وما الوهن يا رسول الله؟ قال: «حبّ الدنيا وكراهية الموت».
فهذه الغثائيّة لا شكّ أنّها بتفريط من المكلّفين، وهم مسؤولون عنها، وعمّا ترتّب عليها من ضياع الدين وتعطيل الفرائض.
ومن أهمّ عوامل هذا الضعف، وتلك الحالة من العجز: هو تفرّق الأمة الذي فتّت قواها، وإحجام جماعات إسلامية عن الاجتماع على فرائض الله هو الذي عطّل قيام تلك الفرائض، ولو أنّه أنموا قدرة القائمين بها لتغير الأمر، ولكنّهم اكتفوا بأن ينعوا عليهم قيامهم بها ولمّا يبلغوا حدّ الاستطاعة بعد!

التعليقات

موضوعات ذات صلة