القائمة إغلاق

بعد ثمانية عشر عاماً.. هل كانت مبادرة وقف العنف توبة مضروبة ؟

بعد ثمانية عشر عاماً.. هل كانت مبادرة وقف العنف توبة مضروبة ؟

د/ عبد الآخر حماد

تحت عنوان من قال إن الإرهاب يحقق الأهداف ؟ كتب الأستاذ عماد الدين حسين مقالاً في صحيفة الشروق بتاريخ 22/ 7/ 2015 يستنكر فيه لجوء البعض إلى استراتيجية العنف والإرهاب سواء في سيناء أو في غيرها مبيناً أن من يلجأون إلى تلك الأساليب يرتكبون أكبر أخطائهم ،وأنه لا يوجد شعب يمكن إخضاعه بالقنابل والمتفجرات … إلى آخر ما ذكره في مقاله الذي قد لا نختلف معه حول النتيجة التي وصل إليها فيه ،وهي عدم صحة استخدام العنف وسيلة لتحقيق الأهداف السياسية  ،وإنما يعنينا هنا مناقشة الكاتب الفاضل فيما أشار إليه من وقائع تاريخية أراد بها الاستدلال على صحة ما ذهب إليه ؛فقد استند الكاتب في التدليل على صحة ما أراد الوصول إليه إلى تجربة الجماعة الإسلامية في تسعينيات القرن الماضي وأنها لم تحقق ما كان القائمون بها يريدون تحقيقه من أهداف ،وانتهت بما اعتبره الكاتب توبة من أعضاء الجماعة الإسلامية ،وإن كان الكاتب يرى أن توبة بعضهم كانت بحسب تعبيره ( مضروبة) في حين كانت توبة بعضهم الآخر صادقة جداً ،وضرب مثالاً لذلك بالدكتور ناجح إبراهيم الذي صار نموذجاً لما ينبغي أن يكون عليه الداعية الصادق ، ويهمني إحقاقاً للحق وبياناً لحقائق التاريخ أن أعلق على بعض ما جاء في المقال المشار إليه مكتفياً بالنقاط الثلاث التالية :

أولاً : ذكر الكاتب في مقاله أن الجماعة الإسلامية قد مارست العنف في حقبة التسعينيات ،وهذه حقيقة تاريخية لا نماري فيها ، ولكن الذي يجب أن يعلمه كل منصف ساع إلى معرفة الحقيقة أن هذا العنف لم يبدأ من فراغ ، وإنما كان نتيجة لعوامل عدة من أهمها قسوة النظام في ذلك الوقت بل وحشيته على أبناء الجماعة الإسلامية ، ولا شك أن الكاتب يعلم أنه كان هناك وزير للداخلية اسمه زكي بدر عانى منه المعارضون لنظام مبارك الأمريْن ، بل اتبع منذ توليه الوزارة في منتصف الثمانينات ما أسماه بسياسة الضرب في سويداء القلب ؛بحيث كان من الأمور العادية في عهده أن يُقتل طالب بدم بارد لأنه كان يعلق إعلاناً عن محاضرة للدكتور عمر عبد الرحمن ، ويُقتل داعية لأنه كان متوجهاً لإلقاء خطبة الجمعة في أحد المساجد ، ويقتل الدكتور علاء محيي الدين لا لشيء إلا لأنه داعية مفوه معارض لنظام مبارك .وهناك عشرات الأمثلة للتدليل على شدة ظلم النظام في ذلك الوقت وإسرافه في إراقة الدماء والاعتقالات العشوائية التي لم يسلم منها حتى النساء الحوامل اللاتي أجهض بعضهن في مقرات الاحتجاز الأمني . ولسنا نسوق تلك الأمثلة من أجل تبرير لجوء الجماعة الإسلامية في ذلك الوقت إلى العنف ، فقد كنا نتمنى أن تؤول الأمور إلى غير ما  آلت إليه وأن تتبنى الجماعة خيار الصبر وتحمل الأذى حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً ، لكنا نسوق ذلك لكي يعلم من لا يعلم أن الخطأ كان من الجانبين ،وأننا حين نريد تقويم تجربة تاريخية معينة فإنه يجب أن ننظر إليها من جميع زواياها وليس من زاوية واحدة .

ثانياً: نسب الكاتب في مقاله إلى الجماعة الإسلامية كثيراً من الأحداث التي لم تقم بها ولا علاقة لها بها ، مثل قوله عن الجماعة الإسلامية : (( وكانت قمة توحشهم قتل الطفلة شيماء أمام مدرسة المقريزي ))، وأنا أرجو من الكاتب الفاضل أن يراجع معلوماته بهذا الخصوص ، وأن يرجع إلى أرشيف جريدته أو إلى صحف تلك الفترة ليعلم أن محاولة اغتيال رئيس الوزراء السابق عاطف صدقي -والتي قتلت فيها الطفلة شيماء –كانت من تدبير جماعة الجهاد وليس الجماعة الإسلامية ،وقد أعلنت جماعة الجهاد في ذلك الوقت مسؤوليتها عنها ، وقس على ذلك كثيراً من الأحداث التي وردت في المقال المشار إليه منسوبة للجماعة الإسلامية وهي منها براء ،وذلك مثل الاعتداء على الكنائس وتفجير قنبلة في مقهى بميدان التحرير وغير ذلك مما أعلنت الجماعة الإسلامية في حينها عدم مسؤوليتها عنه .

ثالثاً: ذكر الكاتب كما أسلفنا أن توبة بعض أعضاء الجماعة الإسلامية كانت مضروبة ، وأحب أن أشير أولاً إلى ما أعلنته قيادة الجماعة الإسلامية في صيف عام 1997 من مبادرة لوقف العنف وما تبع ذلك من المراجعات الفقهية يختلف تماماً عما عرف وقتها بالتوبة التي كان بعض المعتقلين يلجأون إليها في السجون من أجل محاولة الخروج من السجن أو التخفيف عنهم فيها ،وقد حرص قادة الجماعة وقتها ومنهم أخونا الفاضل الدكتور ناجح إبراهيم -الذي يشيد الكاتب به -إلى التفرقة بين ما قاموا به من مراجعات فقهية، وبين تلك التوبة ، فالتوبة سلوك فردي كان يصاحبه في الغالب تبرؤ ذلك الفرد من إخوانه وربما يصاحبه تخليه عن التزامه الديني ،وبعضهم كان ينزلق للأسف في التجسس على إخوانه ،أما ما قامت به الجماعة الإسلامية في ذلك الوقت بقيادة الشيخ كرم زهدي حفظه الله فهي مبادرة حقيقية كان هدفها حقن الدماء ومنع الاقتتال بين أبناء الوطن الواحد .

والذي أحب أن أؤكده للكاتب الفاضل أن الجماعة الإسلامية لا زالت ملتزمة بهذا الخط السلمي الذي تبنته منذ تلك المبادرة ، ويكفي أن نذكر أنه منذ خروج أعضائها من السجون منذ حوالي عشرة أعوام لم تسجل على أحد منهم ممارسةٌ لأي عمل مما يطلق عليه العنف والإرهاب ، كما أني لا أنسى أن أشير هنا إلى الكتيب الذي كتبه الشيخ عصام دربالة –فك الله أسره- منذ عدة أشهر بعنوان : (لا للتفجير )، والذي يستنكر فيه كل محاولة للتخريب وتدمير البنية التحتية لاقتصاد بلادنا . كما أن علينا أن نتذكر ما حدث بعد ثورة يناير من خلل في المنظومة الأمنية بل الانهيار شبه الكامل في أجهزة الداخلية ومع ذلك لم يحدث من أعضاء الجماعة الإسلامية -الذين يدعي الكاتب أن توبة بعضهم كانت مضروبة -أي استغلال لذلك الانهيار ، بل كانوا أحرص الناس على استتباب الأمن ومعاونة الأجهزة الأمنية في ممارسة دورها الحقيقي في حفظ الأمن والعمل على استتبابه ، ولعلكم تذكرون أنه لما فتحت السجون إبان ثورة يناير وخرج من خرج منها إلا أن الشيخ عبود الزمر قد رفض رفضاً باتاً أن يخرج بهذه الطريقة ،ورأى أنه لا يليق به بعد ثلاثين عاماً من السجن في سبيل الله أن يخرج كهيئة الهارب الفارِّ ، وفضَّل أن ينتظر إلى أن يمن الله عليه بأن يخرج بكرامته ،وأن ذلك أجدى له وأنفع ،وقد كان ذلك وأثبتت الأيام صدق توقعاته حفظه الله  .

إنني أقول للكاتب الفاضل إنه بالرغم من وجود بعض الاختلافات بين أعضاء الجماعة الإسلامية في بعض الاجتهادات السياسية -وقد يكون منها الاختلاف في توصيف المشهد الراهن- إلا أن الكل بحمد الله مجمع على المحافظة على المبادرة السلمية للجماعة الإسلامية وأنه لا يصح التفريط فيها بحال.

كما أود أن أؤكد أنه إن صحت تسمة تلك المبادرة بأنها توبة فإنه ليس من علامة صحة تلك التوبة أن لا تتخذ الجماعة بعض المواقف المعارضة لسياسات النظام السياسي القائم ما دامت هذه المعارضة في الإطار السلمي الساعي لإيجاد حلول سياسية عادلة للخروج بالبلاد من دوامة العنف والعنف المضاد، إنما تكون التوبة مضروبة إذا ما سلكت  الجماعة سبيل القتل والتفجير ،وهذا ما أزعم أنه لم يحدث منذ تفعيل المبادرة ،وأرى أنه لن يحدث بمشيئة الواحد الأحد .

التعليقات

موضوعات ذات صلة