بقلم / عبد الحميد ضحا
سيظلُّ اللغط دائرًا دائمًا: هل حرب أكتوبر هزيمة أو انتصار؟ ولن تصل إلى إجابة ما دامت الأحوال كما هي؛ كل الوقائع تُتناول من أجل هدف المتناوِل ومصلحته لا من أجل الحقيقة، لذا؛ تجد الصهاينة متقدِّمين عنا بدرجات هائلة؛ لأنهم يقيِّمون كل حروبهم ويعرفون الصواب والخطأ، والمصيب يكرم والمخطئ يعاقب فيقوِّمون، لذا؛ تجدهم في حروب مستمرة ومع ذلك في تقدُّم مستمرٍّ، ونحن لم نخض حربًا من حينها بدعوى السلام وفي تأخُّر مستمرٍّ حتى وصلنا إلى القاع.
أرى أن تقسَّم حرب أكتوبر إلى مرحلتين؛ الأولى: منذ 6 أكتوبر حتى أخذ السادات قرار تطوير الهجوم شرقًا بداية من أول ضوء يوم 14 أكتوبر؛ بدعوى التخفيف عن الجبهة السورية، وفي هذه الفترة كان الانتصار لا شك فيه، والخسائر الصِّهْيَوْنية كبيرة، والخسائر على الجبهة المصرية لا تكاد تذكر بجانب التقدُّم المتحقق والانتصارات.
وبعد قرار السادات الذي عارضه قادة الجيش ورئيس الأركان ومن ورائهم كل القادة الميدانيين، حتى إن اللواء عبدالمنعم واصل قائد الجيش الثالث ذكر في مذكراته عن الحرب أن تقسيم الجيشين الثاني والثالث كان بينهما ثغرة تحميها الفرقة الرابعة مدرعات – على ما أذكر، أو الفرقة التي ذكرها – ومعنى نقلها للضفة الشرقة لتطوير الهجوم أن ذلك إيذان بفتح ثغرة للعدو، وهذه يفهمها أي عسكري. وأصرَّ السادات ومن ورائه وزير الحربية أحمد إسماعيل – الذي اختاره وزيرًا لما بينه وبين الشاذلي من خلافات قديمة وصلت للشجار بالأيدي، فضلاً عن مرضه بالسرطان الذي توفي به بعد الحرب بحوالي عام – على تطوير الهجوم مع رفض القادة؛ لأنه ليس هناك دفاع جويٌّ يحمي القوات التي ستطوِّر الهجوم، وبتنفيذ قرار السادات تحوَّلت دفَّة الحرب، وتوالت الهزائم، فأُبيدت القوَّات التي ذهبت لتطوير الهجوم وحدثت الثغرة، فأبيد الجيش الثالث الميداني تقريبًا، ونجا اللواء عبدالمنعم واصل بأعجوبة من الأسر، مع أنه تراءى مع الصهاينة عن قرب، وتم تسليم مدينة السويس من المحافظ الذي اختبأ في سندرة إحدى الشُّقق – ورُفع العلم الصهيوني عليها، وصار الطريق إلى القاهرة مفتوحًا لأول مرة في التاريخ أمام الصهاينة، ولولا بطولة الشيخ حافظ سلامة، ونداؤه للجهاد في مسجد الشهداء بالسويس، واستجابة شباب السويس له، وأخذوا أسلحة بعض المجنَّدين المصابين والعائدين وذهبوا إلى مبنى المحافظة، فدمَّروا بالآر بي جي بعض الدبابات الصهيونية الآمنة بجوار المحافظة، فأصابهم الذعر وفرُّوا خارج المدينة، وحاصروها، وتوقَّف تقدُّم الصهاينة أمام الشيخ حافظ سلامة وثلَّة قليلة من الشباب، وبعدها بدأت المفاوضات التي أصابت السوايسة بالإحباط – كما ذكر الشيخ حافظ سلامة في مذكِّراته عن الحرب – ومن حينها لا يخفى إلى أين صارت مصر!
متى يأتي زمان نتمثل بالصهاينة فيما يفعلون من صواب بدراسة الانتصارات والإخفاقات بعيدًا عن البروباجندا والرقص والغناء، ومعرفة ما حدث حقيقة في حروب مصر من 48 و56 واليمن و67 وأكتوبر وغيرها، ونعلم حقيقةً من يتحمَّل مسؤولية دماء مئات الآلاف وبحور الدماء التي سالت بسبب الأخطاء، أو الخيانة – كما يراها الفريق الشاذلي رحمه الله؟!